للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لفّقوا لها شبهاً، ورتّبوا فيها كلاماً مؤلّفاً؛ فصار ذلك المحذور (١) بحكم الضرورة مأذوناً فيه بل صار من فروض الكفايات، وهو القدر الذي يقابَلُ به المبتدع إذا قصد الدعوة إلى البدعة» (٢).

وروي أنه قيل للإمام أحمد ابن حنبل: الرجلُ يصوم ويصلي ويعتكف أحبُّ إليك أو يتكلّم في أهل البدع؟

فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين، هذا أفضل (٣).

ورأى ابن تيميةَ رحمه الله أنّ الإمام أحمدَ ـ عليه رحمات الله ـ قد بيَّنَ بجوابِهِ ذلك «أنَّ نفعَ هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله؛ إذ تطهيرُ سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفعُ بغي هؤلاء وعدوانِهم على ذلك واجبٌ على الكفاية باتفاق المسلمين، ولولا من يُقيمه الله لدفع ضررِ هؤلاء لفسد الدين، وكان فسادُه أعظمَ من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإنَّ هؤلاء إذا استولَوا لم يُفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعاً، وأما أولئك فهم يُفسدون القلوب ابتداءً» (٤).

وإنّي ـ بفضل الله تعالى أولاً وآخراً ـ جنديٌّ صغيرٌ شرّفني الله تبارك وتعالى بشيءٍ يسيرٍ من الذبّ عن دينه القويم، والدفاع عن سنّة نبيّه الكريم، عليه أفضل الصلاة وأتمُّ التسليم.

فإن بلغَ كلامي هذا مسلماً فحصًّنه من غوائلِ أولئك القرآنيين، وعصمه من الهلاك في هرطقتهم، فذلك المنى، وهو المراد.

وإن بلغَ مسطوري هذا أحداً ممن غُرِّرَ بهم من المنضوين تحت لواء طائفة القرآنيين، فهداه الله بسبب هذه السطور، فارعوى أحدٌ عن غيّه، وأفاق بعد سُكره، فحيّهلا، وبها ونعمت، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدنا عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه: «فوالله لَأَنْ يهديَ اللهُ رجلاً بك خير لك من أن يكون لك حمر النعم» (٥).


(١) المحذور المعنيُّ في سياق الكلام هو علم الكلام.
(٢) «إحياء علوم الدين» ١/ ٤٢ للإمام حجة الإسلام أبي حامد الغزالي رحمه الله تعالى.
(٣) «مجموع الفتاوى» ٢٨/ ١٣١.
(٤) «مجموع الفتاوى» ٢٨/ ١٣١.
(٥) أخرجه البخاري في «صحيحه» برقم (٢٩٤٢)، ومسلم في «صحيحه» برقم (٦٢٢٣)، وأحمد في «مسنده» برقم (٢٢٨٢١).

<<  <   >  >>