لَمَّا ذكرتُ أقسام المفهوم بينتُ هنا ترتيبها باعتبار القوة والضعف؛ ليظهر بذلك فائدته في التراجيح.
فأظهر الأقسام: ما كان من الحصر بالنفي والاستثناء إنْ قُلنا: إنه بالمفهوم. لكن سبق أن الأرجح كونه منطوقًا.
ويلي هذا النوع كل ما قِيل بأنه من قبيل المنطوق وإنْ كان القول بذلك ضعيفًا؛ إذْ لولا قوته لَمَا جُعِل منطوقًا على قولٍ. وهو معنى قولي:(فَمَا مِنَ الْمَنْطُوقِ قِيلَ وَهْنَا)، أي: فالذي هو من المنطوق قِيل به حال كونه واهنًا، فَـ "وهنًا" مصدر منصوب على الحال، وذلك كالغاية، فقد قيل: إنه بالمنطوق كما سبق.
وكذا الحصر بـ "إنما"، فَهُما في الرتبة سواء كما قرره السبكي في "شرح المختصر" وجعل بعدهما حصر المبتدأ في الخبر مُقَدَّمًا على الشرط، إلا أني لَمَّا لم أذكره في النَّظم؛ لِمَا سبق، لم أتَعَرَّض له في الترتيب.
ثم بعد ذلك مفهوم الشرط؛ لأنه لم يَقُل أحد بأنه بطريق النُّطق.
ثم بعده الصفة، وإنما قُدِّم عليها؛ لأنه قد قال به مَن لا يقول [بها](١)، كابن سريج كما أسلفناه.
والصفة لها مراتب:
أعلاها: المناسبة، وهو معنى قولي:(نَسِيبَةٌ) فعيلة بمعنى الفاعل وإنْ كان من غير الثلاثي. وإنما قُدمتْ لاتفاق القائلين بالصفة عليها؛ ولأنه في "المستصفى" جعلها من قبيل
(١) كذا في (ز). لكن في سائر النُّسخ: به. يعني: مَن قال بمفهوم الشرط ولَمْ يَقُل بمفهوم الصفة.