بالأول فيقع الفرق، أو بالثاني فلا فرق؛ ولهذا يطلقون الخلاف في المسألة.
وقد حكى الغزالي في "البسيط" -فيما لو قال:(قارضتك على أن لي النصف) وسكت عن جانب العامل- أنَّ:(ظاهر النص أنه فاسد؛ لأن جميع أجزاء الربح تضاف إليه بحكم الملك، وإنما تنصرف عنه بإضافته إلى غيره، ولم يُضف. وذكر ابن سريج قولًا مُخَرَّجًا: إنه يصح؛ تمسكا بالفحوى والمفهوم). انتهى
وقال الهروي في "الإشراف": (لو قال: "ما لِزَيْد علَيَّ أكثر من مائة درهم" لم يكن مُقِرًّا بالمائة؛ لأنه نَفْي مجرد؛ فلا يدل على الإثبات. وفيه وجه أنه إقرار وهو قول أبي حنيفة، وأصل هذا أن دليل الخطاب هل هو حُجة؟ أو لا؟ ). انتهى
وحكى ابن تيمية في بعض مؤلفاته التفصيل بين كلام الشارع وكلام الناس، وقال:(إنه خِلاف الإجماع؛ فإن الناس إما قائل بأن المفهوم من جملة دلالات الألفاظ؛ ولهذا يستدلون -على أنه حُجة- بكلام الناس، أوْ لا، فالتفصيل إحداثُ قولٍ ثالث. وأما إلحاقه بالقياس فممنوع؛ لأنه ليس من دلالات الألفاظ حتى يستوفي فيه الشرع والناس، إنما صار دليلًا بِتَصَرُّف الشارع وجَعْله حُجة)(١).
وقد يقال: هذا التفصيل قريب من الذي قبله، وهو الفرق بين الخبر والإنشاء؛ لأن الناس مخبرون عما في أنفسهم، لا منشئون.
وعَكَس بعض الحنفية هذا التفصيل، فقال الخبازي في حواشي "الهداية" في باب "جنايات الحج": إن شمس الأئمة ذكر في "السير الكبير" أن تخصيص الشيء بالذِّكْر لا يدل على كون الحكم بخلافه، إنما هو في خطابات الشرع، فأما في معاملات الناس وعُرفهم فإنه يدل.