إضراب إبطال للحكم السابق، كقوله تعالى:{أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ}[المؤمنون: ٧٠]، {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ}[الأنبياء: ٢٦] ففي ذلك كله رد على ابن العلج في "البسيط" وتبعه ابن مالك في "شرح الكافية" أنَّ هذا القسم لم يقع في القرآن، بل قال في "البسيط": ولا في كلام فصيح.
وإنما يقع الثاني، وهو إضراب الانتقال من حُكم إلى حكم من غير إبطال للأول، كقوله تعالى: {وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (٦٢) بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ} [المؤمنون: ٦٢، ٦٣]، وقوله تعالى:{بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ}[النمل: ٦٦]. لم تبطل شيئًا مما سبق، وإنما فيه انتقال من خبر عنهم إلى خبر آخَر. فالحاصل أن الإضراب الانتقالي قَطعْ للخبر لا للمخبَر عنه.
ثم ظاهر كلام ابن مالك أن هذه عاطفة أيضًا لكن جملة على جملة، وصرح به ولده في "شرح الخلاصة".
وأيَّده بعضهم بأن اختلافهما في النفي والإثبات لا ينافي العطف، كما تقول:"ما قام زيد ولم يخرج عمرو"، و:"ما قام بكر وخرج خالد".
لكن الفرق بين هذا وبين ما نحن فيه أن "بل" لَمَّا كانت للإضراب صار ما قبلها كأنه لم يذكر، وكأنه لا شيء يعطف عليه.
نعم، كان مقتضى هذا أنَّ "حتى" عاطفة إذا وقع بعدها جملة، إلا أنها لَمَّا لم يكن أصلها العطف بل الغاية والانتهاء -كَـ "إلى"- ووقع بعدها الجُمَل، لم يتعذر بقاؤها على أصلها، ولَمَّا وقع بعدها المفرد مع عدم صلاحيتها للغاية، جُعلت حرف عطف؛ ولهذا يُدَّعَى فيها