إذا علمت ذلك، علمت أنَّ بين الأمرين المذكورين في "بل" -وهُما العطف والإضراب- عمومًا وخصوصًا من وجه؛ لأن الداخلة بين مفردين عاطفة، أَعَم أن تكون للإضراب وغيره، والإضراب أعم أن تكون عاطفة (وذلك في المفردات) أو غير عاطفة (وذلك في الجُمَل عَلَى غير رأْي ابن مالك وولده).
أما إذا قُلنا بذلك، فبينهما عموم وخصوص مطلق؛ لأن العطف أعم أن يكون بإضراب (كما في الجمل وفي نوع من المفرد) وبغير إضراب (كما في نوع من المفرد).
فقولي:(كَذَا لِإضْرَابٍ) لم أُرِد به تغايُر المعنيين من كل وجه، بل أردت ما سبق.
وقولي:(ثُمَّ) إلى آخِره -إشارة إلى الكلام على "ثُم"، وهي للتشريك بين ما قَبلها وما بعدها في الحكم لكن مع التراخي والمهلة، نحو:"قام زيد ثم عمرو".
فأما كونها للتشريك فالمخالف فيه الكوفيون، جوَّزوا أن تقع زائدة، كقوله تعالى:{وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ}[التوبة: ١١٨]، فليست عاطفة البتة حتى يكون فيها تشريك.
وأما الترتيب فالمخالف فيه الفراء فيما حكاه عنه السيرافي، وعزاه وغيره للأخفش، محتجًّا بقوله تعالى:{خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا}[الزمر: ٦]، ومعلوم أن هذا الجَعل كان قبل خَلْقنا. والجمهور تأوَّلوه على الترتيب الإخباري.
وفيها مذهب ثالث: أنها للترتيب في المفردات دون الجُمل، كقوله تعالى:{فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ}[يونس: ٤٦]، إذ شهادة الله مُقدَّمة على المرجع. قاله ابن الدهان، وجرى عليه ابن السمعاني في "القواطع".
والصحيح أنها للترتيب مطلقًا، لكنه في المفردات معنوي وفي الجُمل ذِكْرِيّ، نحو: