للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والذِّكري إذا عُطف بها مُفَصَّل على مُجْمل، نحو: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} [البقرة: ٣٦]، ونحو: "توضأ فغسل وجهه" (١) الحديث.

وربما كان في الكلام تقدير؛ فيُظن عدم الترتيب في معطوفها، نحو: {أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا} [الأعراف: ٤] التقدير: أردنا إهلاكها. ونحوه: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ} [النحل: ٩٨]، أي: إذا أردت أن تقرأ. وزعم الفراء أنها لا تفيد الترتيب؛ تمَسُّكًا بظاهر نحو هذا. وجوابه ما سبق، والعجب منه أنه يقول في "الواو" إنها للترتيب!

واعْلَم أن الترتيب في "الفاء" قد يكون في الإخبار وهو الذِّكري (كما تقدم وكما سبق في "ثم") نحو: "مُطرنا بمكان كذا فمكان كذا" وإنْ لم يُعْلَم [فيه] (٢) تَقدُّم ولا تَأخُّر.

ونازع ابن دقيق العيد في "شرح الإلمام" في إفادتها الترتيب الإخباري، وذكر أنها لترتيب الرُّتَب، نحو: "رحم الله المحلِّقين فالمقصِّرين". فإن رُتبة التقصير دُون رتبة التحليق. ومنه: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (١) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا} [الصافات: ١ - ٢]، أي: باعتبار أن رُتبة الأوَّلين أعلا مما بعدهم.

وقولي: (مَعَ التَّعْقِيبِ) إشارة إلى أن "الفاء" يلازمها مع الترتيب التعقيب، فيكون الثاني أعقيب، (٣) الأول بلا مُهْلة، عَكْس "ثُم"، لكن المعاقبة فيها في كل شيء بِحَسَبه؛ فلهذا يقال: (تزوج فلان فَوُلد له) ليس المراد أنها ولدت عقب التزوج في الزمان، بل أنه لم يكن بينهما مهلة غير مدة الحمل ولو تطاولت. وتقول: (دخلت البصرة فالكوفة) إذا لم تُقِم بالبصرة ولا بين البلدين.


(١) صحيح البخاري (رقم: ١٤٠)، وفي صحيح مسلم (رقم: ٢٤٦) بلفظ: (يَتَوَضَّأُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ).
(٢) في (ص): عقب.
(٣) كذا في (ص)، لكن في (ت، ق، ظ): منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>