للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الرابع: أن أقَل ما يُطلق الجمع عليه واحد. وربما ينقل ذلك عن إمام الحرمين كما عزاه ابن الحاجب له، إذْ قال في "مختصره الصغير": (مسألة: أبنية الجمع لاثنين تصح، وثالثها: مجازًا. الإمام: ولواحد) (١).

فإن كلامه يقتضي أن لنا قولًا أن الجمع لا يصح إطلاقه على الاثنين، لا حقيقة ولا مجازًا. ولكن لا يُعرف ذلك. ويقتضي أن الإمام يقول: إنَّ أقَل الجمع واحد. فإنْ أراد حقيقةً فلا قائل به أصلًا، أو مجازا فلا يمنعه أحد، لا الإمام ولا غيره.

والذي غَرَّ ناقل ذلك عن الإمام أنه قال في "البرهان" عقب مسألة: "التخصيص إلى ماذا ينتهي؟ " وذكر صيغة الجمع، ثم قال: (والذي أراه أن الرد إلى واحد ليسِ بدعًا، ولكنه أَبْعَد مِن الرد إلى اثنين) (٢).

لكن كلام الإمام إنما هو منحط على ما قبله، وهو ما ينتهي إليه التخصيص. ومراده بقوله: (ليس بِدعًا) أن الانتهاء إلى واحد في التخصيص ليس بِدعًا وإنْ كان مجازًا.

ولهذا قال عقبه: (وهو أبْعد من الرد إلى اثنين)؛ لأن المجازات قد تتفاوت بها القُرب والبُعد من الحقيقة، ولو كان مراده أن ذلك يكون حقيقة، لَمَا قال: (وهو أبعد من الرد لاثنين)؛ لأن الحقيقة لا تتفاوت جزئياتها من حيث كونها حقيقة.

فالذي يقتضيه قول الإمام أو، وآخِرًا أن أقَل الجمع ثلاثة حقيقةً، وأنه في دُونها مجاز.

فمن أمثلة الإطلاق على الواحد: ما سبق في قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} [آل عمران: ١٧٣]، ونحوه.

ومثَّله ابن فارس بها "فقه العربية" بقوله تعالى: {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} [النمل:


(١) مختصر المنتهى مع شرحه (٢/ ١٢٢).
(٢) البرهان (١/ ٢٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>