وفيه أيضًا نظر؛ لأنَّ مَن كذَّب رسولًا فقد كذّب الرسُل كلهم، كما يقال: فلان يركب الدواب. أي: شأنه ذلك. وعلى هذا فهو حقيقة خلاف، فقول الغزالي وغيره:(إنَّ مثل ذلك مجاز بالاتفاق) إنما نظروا في ذلك للواقع، لا للمفهوم.
نعم، إمام الحرمين مَثَّله بأن يرى امرأة تبرجت لرجلٍ فيقول لها:(أتتبرجين للرجال؟ ! )، فإن كان مراده أنه يكون حينئذٍ مجازًا -وقد نقله عنه كذلك إلْكِيا- فهو مما لا نزاع فيه كما سبق؛ لأنه مِن إطلاق الكل على البعض. وإنْ كان حقيقةً، فهو نظر إلى المفهوم، لا إلى الواقع، أي: شأنك أن تتبرجي لجنس الرجال.
ويدل عليه قرينة خصوص الرجل المرئي، لا أن قصد قَصْر الرجال عليه.
نعم، من إطلاق الجمع وإرادة الواحد مجازًا إذا أطلق ذلك في مقام التعظيم برفع قَدْرِه عن رُتبة الواحد وضعًا ومحلًّا، كما يقال للكبير:(أنتم فعلتم ذلك). وقول المعظِّم نفسه:(فَعَلْنا ذلك). كما صرح أهل العربية بأن ذلك للمشارك أو المعظِّم نفسه كما في قوله تعالى حكايةً عمن قال:{رَبِّ ارْجِعُونِ}[المؤمنون: ٩٩]، وقوله تعالى:{وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[يوسف: ١٢]، {فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ}[المرسلات: ٢٣]، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ}[الحجر: ٩]. وهو أمر لا ينحصر.
ومنهم من أَوَّل كلام الإمام السابق على أن إطلاق الجمع للواحد جائز اتفاقًا.
(١) قال الزمخشري في تفسيره (الكشاف، ٣/ ٣٢٨): (قوله: {الْمُرْسَلِينَ} والمراد نوح عليه السلام).