باتفاق النحاة على أنَّ جمع الكثرة مِن أحد عشر فصاعدًا. فإنْ كان الخلاف في جمع القِلة فكيف يُطلِقون؟ وكيف يأتون في مُثُلهم واستدلالهم بكثير من جموع الكثرة؟ ! فإنْ كان ذلك لأن كُلًّا منهما يُطلق في معنى الآخَر، فمجاز كما سبق وصرح به الزمخشري وغيره، والكلام إنما هو في الإطلاق حقيقةً، حتى قال القرافي في بعض كُتبه أنَّ له نحوًا من عشرين سَنة يُورده ولم يتحصل عنه جواب.
قلتُ: إذا كان جمع القِلة يجري فيه الخلاف لا محالة، فالتجوز باستعمال "جمع الكثرة" في "جمع القِلة" يُصَيِّره كأنه مِن جموع القِلة، لا سيما إذا استُغنِي به عنه طرَقَهُ الخلافُ مِن حيث كونه صار مِن هذا النوع، فيُحكم عليه بما يُحكم على جمع القِلة، ويقع به التمثيل، وتترتب الأحكام كما ستراه في الفروع الآتية.
ونظير ذلك اليَدُ في السَّوْم والبيع الفاسد يَدُ غَصْبٍ مجَازًا، ويترتب عليها أحكام الغصب من الضمان بأقصى القيم من الغصب إلى التلف.
وكذا ما ذكر في الممْسِك في رمضان هل يُكره له السواك بعد الزوال كالصوم وإن أُطلق عليه صائم مجَازًا؟ ونحو ذلك.
بل قد يُدَّعَى أنَّ التجوز باستعمال "جمع الكثرة" موضع "جمع القِلة" إنما هو في الأصل، ثُم غلب في الاستعمال حتى صار حقيقة عُرفية.
كما قالوا في "غَنَم يَغْنَم": إنه أَخْذُ الغنم. ثم استُعمل في أَخْذ كل مال وغَلَبَ في كل نماء، كما في حديث:"له غنمه وعليه غرمه"(١).
ونحوه في "السلب"، أصله فيما يلبسه، ثم عدوه إلى الفرس وآلة السلاح وغير ذلك،
(١) صحيح ابن حبان (٥٩٣٤)، المستدرك على الصحيحين (رقم: ٢٣١٥)، سنن البيهقي الكبرى (رقم: ١١٠٠٢). قال الألباني: ضعيف. (التعليقات الحسان: ٥٩٣٤).