وفرق الماوردي بوجهين، أحدهما هذا، والثاني أن إرادة ما أُريدَ به خاص متقدمة على لفظ العام، وما أُريدَ به العموم ثُم خُصَّ تتأخر أو تقارن.
وقال ابن دقيق العيد في "شرح العنوان": (يجب أن يُتَنبه للفرق بينهما، فالعام المخصوص أعم مِن العام الذي أُريدَ به الخصوص، ألا ترَى أن المتكلِّم إذا أراد باللفظ أولًا ما دَلَّ عليه ظاهره مِن العموم ثم أَخرَج بعد ذلك بعض ما دل عليه اللفظ، كان عامًّا مخصوصًا، ولم يكن عامًّا أريد به الخصوص. ويقال: إنه منسوخ بالنسبة إلى البعض الذي أخرج. وهذا متوجه إذا قصد العموم، وفرق بينه وبين أنْ لا يقصد الخصوص، بخلاف ما إذا نطق باللفظ العام مريدًا به بعض ما تناوله في هذا). انتهى
وحاصل ما قرره أنَّ العام إذا قُصِر على بعضه، له ثلاثة أحوال:
الأول: أنْ يُراد به في الابتداء خاص، فهذا هو المراد به خاص.
والثاني: أن يراد به عام ثم يخرج منه بعضه، فهو نسخ.
والثالث: أن لا يقصد به خاص ولا عام في الابتداء، ثم يخرج منه أمر يتبين بذلك أنه لم يُرَد به في الابتداء عمومُه، فهذا هو العام المخصوص.
فلهذا كان التخصيص عندنا بيانًا، لا نَسخًا، إلا إنْ أُخْرِج بعد دخول وقت العمل بالعام، فيكون نَسْخًا؛ لأنه قد تبَيَّن أن العموم أُرِيدَ في الابتداء.
وممن حرر الفرق بينهما أيضًا من المتأخرين الشيخ تقي الدين السبكي، فقال: (جرى ذِكر هذه المسألة في درس في العادلية يوم الاثنين، الثالث والعشرين من صفر سنة خمس