للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أريدَ به خاص.

فمعنى قول الشافعي: (دَلَّت السُّنة على أنه يُراد به الخاص) أنه سلب الحكم عن بعض الأفراد وبقي الحكم في الباقي؛ بدليل إيرادِه في ترجمة الباب، فالإرادة التي عناهَا إرادة الحكم، لا إرادة دلالة اللفظ وإطلاقه على الخاص.

ومن هنا يُعلم أنَّ قول الأصوليين: (إنَّ الخاص يُقضَى به على العام، تَقدَّم أو تَأَخر أو جُهِل أو قارَن) لا يُنافي ما سبق في الفرق بين العام المخصوص والمراد به الخصوص؛ لأن الإرادة في الثاني سابقة على العام، وفي الأول متأخِّرة أو مقارِنة؛ لأن إرادة الإطلاق غير إرادة السلب عن البعض، فلا يَضُر كَوْن إرادة السلب دليلها سابقًا.

ثم ذكر القاضي تاج الدين أن العام الذي يُراد عمومُه ضربان: ما أفراده كلها مُرادة، وما أُريدَ غالب أفراده ولكن نزل الغالب منزلة الكل. وأن الشافعي في "الرسالة" مثَّل للأول بقوله تعالى: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النساء: ١٧٦] وبقوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد: ١٦]، بناءً على أنه ليس مما خُص بالعقل، بل دَلَّ العقل أنه لم يدخل أصلًا، فالعموم فيه مراد.

ومَثَّل [للثاني] (١) بقوله تعالى: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا} [النساء: ٧٥]، فإنَّ مِن المعلوم أن فيها غَيْر الظالم، ولكن لِقِلَّتهم جُعلوا كالعدم (٢). انتهى

وهذا يقتضي أنَّ لنا قِسمًا ثالثًا -في قَصْر اللفظ على بعض الأفراد- غير العام المخصوص والعام المراد به الخصوص؛ لأن الثاني إنما يكون إذا أطلق على الأقل كما سبق في كلام الشيخ أبي حامد والماوردي، والأول إنما يكون حيث لم يُرَد إطلاق اللفظ وإرادة بعض


(١) كذا في (ص)، لكن في (ق، س): الثاني.
(٢) انظر: الإبهاج (٢/ ١٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>