وأما شُبَه هذه المذاهب فَلَسْنَا بصدد ذِكرها؛ قصدًا للاختصار.
نعم، ننبه هنا على أمور:
أحدها: قد علمت أن هذا الخلاف إنما هو في العام المخصوص، أما العام المراد به الخصوص فمجاز قطعًا إلا على الجهة التي سبق في كلام السبكي أنه يمكن أن يَطْرقه الخلاف منها.
الثاني: فائدة الخلاف في هذه المسألة الخلاف في المسألة الآتية، فمَن يقول: حقيقة، يقول بأنه يُحتج به في الأفراد الباقية. ومَن يقول: مجاز، فلا إلا بقرينة تدل على بقاء الحكم فيه.
الثالث: إنما أطلقتُ في النَّظم كونه حقيقة ولم أُشِر إلى التعريض بشيء من المذاهب فيه بخلاف المسألة الآتي ذِكرها، وهي كونه حُجة في الباقي، فإني أومأت إلى بعض ما فيها من الأقوال؛ لأن الأهم في الباب بحث كونه حُجة أو لا.
المسألة الرابعة:
إذا خُص العام بشيء من المخصصات، هل تبقى حُجيته فيما بقي كما كانت قبل التخصيص؟ فيه مذاهب:
أصحها: أنه إنْ خُصَّ بمبهَم فليس بحجة. كما لو قال:(اقتلوا المشركين إلا بعضهم)، لا يُستدل به على الأمر بقتل فرد من الأفراد؛ إذ ما مِن فرد إلا ويجوز أن يكون هو المخرج.
ومنه قوله تعالى:{أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ}[المائدة: ١] حتى ادَّعَى بعضهم الاتفاق فيه كالقاضي وابن السمعاني والأصفهاني في "شرح المحصول"، وكذا الآمدي، وهو ظاهر تقييد ابن الحاجب والبيضاوي وغيرهما محل الخلاف بالمخصص بمعيَّن.
وليس حكاية الاتفاق بصحيحة؛ ففي "الوجيز" لابن برهان حكاية الخلاف في هذه