للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لأنه لَمَّا وقع السؤال عن تلك الصورة، لم يَجُز أن لا يكون اللفظ جوابًا عنها، وإلا تأخر البيان عن وقت الحاجة. وأبو حنيفة عكس ذلك وقال: دلالته على سبب النزول أضعف. وحَكَم بأنَّ الرجُل لا يلحقه ولد أَمَته وإنْ وطأها ما لم يُقر بالولد، مع أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الولد للفراش وللعاهر الحجر" (١) إنما ورد في أَمة، والقصة مشهورة في عبد بن زمعة. فبَالغَ الشافعي في الرد على مَن يجوِّز إخراج السبب، وأطنب في أن الدلالة عليه قطعية؛ لدلالة العام عليه بطريقين، أحدهما: العموم، وثانيهما: كونه واردًا لبيان حُكمِه. فتوهَّم المتوهَّم أنه يقول: إنَّ العبرة بخصوص السبب) (٢). انتهى

وقد يجاب عن إمام الحرمين وغيره ممن نقل عنه التخصيص بما ذكره الإِمام الرازي، أو أنهم اطَّلعوا على نَص مرجوح عنه، أو غير ذلك؛ فإن الخلاف فيه بعيد عن المذهب؛ ولذلك اختلف الأصحاب في أن العرايا هل تختص بالفقراء؟ أَم لا؟

والأصح الثاني؛ عملًا بعموم اللفظ.

وقالوا فيمن دخل عليه صديقه فقال: (تغد معي)، فامتنع، فقال: (إن لم تتغد معي، فامرأتي طالق) فلم يفعل: لا يقع الطلاق. ولو تغدى بعد ذلك معه وإنْ طال الزمان، انحلت اليمين. أي: بخلاف ما إذا لم يتغد معه، فإن اليمين لا تنحل إلا بموت أحدهما على قاعدة الحالف على فعل غيره.

قال: فإنْ نوى الحال، فلم يفعل، وقع الطلاق.

وهذا وإنْ كان مخالفًا للقول بالعموم إلا أن العُرف لَمَّا اقتضى عدم استقلاله، نزل مَنزلة


(١) صحيح البخاري (١٩٤٨)، صحيح مسلم (١٤٥٦)، وغيرهما.
(٢) مناقب الشافعي (ص ١٧١ - ١٧٣)، تأليف: الفخر الرازي، تحقيق: د. أحمد السقا، نشر: مكتبة الكليات الأزهرية - القاهرة، الطبعة: الأولى - ١٤٠٦ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>