فأما الأُولى:[فأنْ](١) يسبق أحدهما ويُعلم، فهو المبيِّن، قولًا كان أو فعلًا. وإنْ لم يُعلم السابق فلا يُقضَى على واحد منهما بأنه المبيِّن بعينه، بل يُقضَى بحصول البيان بواحد لم يُطّلَع عليه وهو الأول في نفس الأمر، والتأكيد بالثاني. وقيل: يتعيَّن -في حالة الجهل بالسابق- غيرُ الأرجح للتقدم حتى يكون هو المبيِّن؛ لأنَّ المرجوح لا يكون تأكيدًا للراجح؛ لعدم الفائدة. واختاره الآمدي.
ولكن جوابه أنَّ المؤكِّد المستقل لا يَلزم فيه ذلك، كالجمَل التي يُذكر بعضها بعد بحض للتأكيد. فإنَّ التأكيد يحصل بالثانية وإنْ كانت أضعف بانضمامها إلى الأُولى. وإنما يَلزم كَوْن المؤكّد أقوى في المفردات، نحو: جاءني القوم كُلهم.
الثانية: إذا لم يتفق الفعل والقول بل تنافيَا في الحكم كما لو رُوي أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بعد نزول آية الحج في القِران بطواف واحد، ورُوي أنه طاف قارنًا طوافين، فالمختار عند الجمهور -منهم الإمام وأتباعه وابن الحاجب- أنَّ المبيِّن هو القول، سواء كان قبل الفعل أو بعده. ويُحمل الفعل حينئذٍ على الندب أو على الوجوب المختص به - صلى الله عليه وسلم -؛ وذلك لأن القول يدل على البيان بنفسه، بخلاف الفعل، فإنه لا يدل إلا بواسطة انضمام القول إليه، والدال بنفسه أقوى مِن الدال بِغَيره.
لا يُقال: قد سبق أن الفعل أقوى في البيان.
لأنَّا نقول: التحقيق أنَّ القول أقوى في الدلالة على الحكم، والفعل أَدل على الكيفية.