ففِعل الصلاة أَدل مِن وصفها بالقول؛ لأن فيه المشاهدة. وأما استفادة وجوبها أو ندبها أو غيرهما فالقول أقوى وأوضح؛ لِصراحته.
وخالف أبو الحسين، فقال: إنَّ المتقدِّم هو البيان، قولًا كان أو فعلًا.
ويَلزمه -كما قال ابن الحاجب- نَسخ الفعل بالقول إذا وقع الفعل متقدِّمًا مع إمكان الجمع بينهما؛ لأَنا إذا حملنا الفعل على البيان أو الخصوصية، جمعنا بين القول والفعل، بخلاف النسخ، فإنه إبطال للمنسوخ.
وقولي:(مَثِّلْ بِذَا، لَا تَأْثُرَا)، أي: اجعله مثالاً على تقدير أنْ لو وقع، أما كونه قد وقع وصار حديثًا مأثورًا فلا، وهو معنى قولي:(لَا تَأْثُرَا). يقال: آثرت الحديث آثره، أي: نقلته، فأنا آثر والحديث مأثور. و"الألف" مِن (تَأْثُرَا) بدل مِن نون التوكيد الخفيفة. ويقع في كلام كثير من شُراح "المختصر" والبيضاوي جَعْل ذلك حديثًا، وليس كذلك كما بينته، بل كلام القاضي تاج الدين السبكي في "شرح المنهاج" يُوهم ذلك. والله أعلم.
هذه المسألة قد سبقت في أنَّ لنا قِسمًا مِن "المجمَل" يستمر بلا بيان إلى آخِر الدهر، وذلك إنما يكون عند عدم الحاجة إلى بيانه، بأنْ لا يكون مِن دلائل الأحكام المكلَّف بها.
فأما إذا كان كذلك وأريد بالخطاب إفهام المخاطَب به؛ لِيعمل به فِعلًا أو اعتقادًا، فيجب أن يبُيَّن له ذلك على حسب ما يراد بذلك الخطاب؛ لأن الفهم شرط التكليف. فأما مَن لا يراد إفهامه ذلك فلا يجب البيان له باتفاق.