وعن ابن عباس في قوله تعالى:{وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}[البقرة: ٢٦٩]: هي مَعرِفة القرآن ناسخه ومَنسوخه، ومحُكَمه ومُتشابهه، ومُقدمه ومؤخره، وحرامه وحلاله، وأمثاله (١).
وقولي:(وَالنَّسْخُ وَاقِعٌ صَحِيحُ النَّقْلِ) هو شروع في ما يتعلق بالنسخ بعد معرفة حقيقته. فمن ذلك أنَّ النَّسخ هل يجوز؟ أوْ لا؟ وهل وقع؟ أو لا؟
فأمَّا الجواز فالمخالِف فيه اليهود -غير العيسوية- وبعض غلاة الرافضة، ونقله الشيخ أبو إسحاق وسليم والإمام الرازي عن أبي مسلم الأصفهاني مِن المعتزلة، إلا أنه صرَّح بأنَّ المنع إنما هو في القرآن خاصةً، لا على الإطلاق.
ونقل الآمدي وابن الحاجب عن أبي مُسلِم أنه يخالف في الوقوع، لا في الجواز.
ومنهم مَن قال: إنه جائز عقلًا. حكاه أبو زيد عن بعض المسلمين ممن لا يُعتد بخلافه.
ثم المانع مِن جوازه منهم مَن قال: لأنه يستلزم البداء، وهو محُال. وإنْ جَوَّزه الرافضة.
ومنهم مَن سّمَاه "تخصيصًا".
وقيل غير ذلك، والكل باطل، فالصواب جوازه عقلًا وشرعًا.
وأما الوقوع فواقع لا محالة، وَيلزم مِن ذلك الجواز؛ فلذلك اقتصرتُ في النَّظم على مسألة الوقوع.
وقولي:(صَحِيحُ النَّقلِ) أي: كونه واقعًا صحيح النقل ما بين تَواتُر وآحاد كما سيأتي تفصيله في الباب.