منصور البغدادي وابن السمعاني، ونقله أبو إسحاق المروزي عن نص الشافعي، وهو الموافق لما سبق مِن اشتراط اتحاد نوع الناسخ والنسوخ، وحُكي عن ابن سُريج، وقال القاضي حسين في "باب القضاء" مِن "تعليقته": إنه الصحيح في المذهب.
واختاره القاضي أبو بكر، ونقله عن الفقهاء والأصوليين، قال: لأن القياس يُستعمل مع عدم النص؛ فلا ينسخ النص، ولأنه دليل محتمل، والنسخ إنما يكون بغير محتمل. وأيضًا فشرط صحة القياس أنْ لا يخالف الأصول، فإنْ خالف، فسد.
قال: بل ولا ينسخ قياسًا آخَر؛ لأن التعارض إنْ كان بين أَصْلَي القياسين فهو نسخ نَص بنص، وإنْ كان بين العِلتين فهو من باب المعارضة في الأصل والفرع، لا من باب القياس.
والمذهب الثاني: الجواز مطلقًا حتى يُنسخ به القرآن والسُّنَّة المتواترة كما في التخصيص. ولكن الفرق ظاهر؛ لأنَّ التخصيصَ بيانٌ والنسخَ رفعٌ.
وجرى صاحب "جمع الجوامع" على هذا القول الضعيف، واستُشكل عليه بأنه قد قال في "باب القياس": إن شرط العلة المستنبطة أنْ لا تُعارَض بمعارِض.
فأجاب بِـ: إني أطلقتُ القياس، فيُحمل على ما عِلته منصوصة. وبتقدير التسليم فالمعارِض للعلة إذا وُجِد، لا يكون القياس معتبَرًا، والكلام إنما هو في قياس صحيح.
وفيما قاله نظر؛ لأن النص الذي يُدَّعَى نسخُه بالقياس لا يزال معارِضًا لِعِلته، فأين موضع القياس الصحيح الناسخ لنص؟ والحقُّ أَحَق أنْ يُتبع.
الثالث: أن القياس يُنسخ به الآحاد فقط، لا المتواتر.
وهو فاسد أيضًا، لأن المعارِض المانع مِن القياس لا فرق فيه بين المتواتر والآحاد.
الرابع: يُنسخ بالجلي، لا بالخفي. حكاه الأستاذ أبو منصور عن الأنماطي، وحاكاه صاحب "المصادر" عن ابن سُريج، وكذا حكاه الباجي عنه، لكن قال: إنه راجع إلى القول