للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بقيام زَيْد بالإخبار بأنه لم يَقُم. فلا خلاف أيضًا في جوازه؛ لأنه قد يكون قائمًا في وقت أو حالٍ غير قائم في غيره.

وفي معنى هذين الأمرين نسخ التعبد بتلاوة شيء أو الأمر بتلاوة ضده.

الثالث: أن يكون كالذي قبله، إلا أن المخبَر به مما لا يتغير، كالإخبار بكون السماء فوق الأرض يُنسخ بالإخبار بأن السماء تحت الأرض. وذلك جائز.

وخالف المعتزلة فيه -كما قال الآمدي- محتجين بأن أحدهما كذب والتكليف به قبيح؛ فلا يجوز عقلًا. وهو بناء على قاعدتهم الباطلة في التحسين والتقبيح العقليين.

فإنْ قيل: الكذب نقصٌ، وقُبحه بالعقل باتفاق، فلِمَ لا يمتنع ذلك؟

فالجواب: أنَّ القُبح فيه بالنسبة لفاعله، لا باعتبار التكليف به، بل إذا كُلف به، صار جائزًا، فلا يكون قبيحًا؛ إذْ لا حُسن ولا قُبح إلا بالشرع، لاسيما إذا تعلق به غرض شرعي، فإنه مِن حيث ذلك يكون حسنًا.

وشاهد ذلك مِن الفقه ما لو قال مُتغلِّب لضعيف: (اختلِق كذبة وإلا ضربت عنقك).

بل والظاهر أن المعتزلة لا يخالفون في مِثل ذلك وإنْ قالوا بالحسن والقبح العقليين، ويُقَيدون القبح بما لم يتعلق به غرض. ولو أكُره على كلمة كفر لا يأثم بقولها؛ لقوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: ١٠٦]، ولو طالبه ظالم بالوديعة جاز أن يكذب بالإنكار والإخفاء ما أَمكنه، بل يجب عليه ذلك بلا خلاف ولكن يُكَفر عن يمينه على الأظهر؛ لأنه كاذب والكفارة منوطة بالكذب. وكذا مَن التجأ إليه مظلوم، فخبأه في داره. إلى غير ذلك من الفروع.

وهذه الصوَر كلها داخلة في قولي: (لَكِنْ بإخْبَارٍ بِضِدِّ الْحُكْمِ) سوى الصورة الأُولى، فإنها تُفهم مِن باب أَوْلى.

<<  <  ج: ص:  >  >>