الرابع: نسخ نفس الحكم المخبَر به، وهو المعروف في الأصول بِـ "نَسْخ الأَخبار" بالفتح.
فإنْ كان ذلك الحكم مما لا يتغير، فلا يجوز فيه النسخ بالإجماع كما حكاه أبو إسحاق المروزي وابن برهان، وذلك: كصفات الباري سبحانه وتعالى وأخبار الأنبياء (عليهم الصلاة والسلام) وأخبار الأُمم السالفة والأخبار عن الساعة وأماراتها ونحو ذلك.
وإنْ كان مما يتغير كإيمان زيد وكُفره، فلا يجوز أيضًا على الأصح، سواء كان الخبر ماضيًا أو مستقبلًا أو حالًا، وسواء أكان وعدًا أو وعيدًا. وإلى هذا ذهب الصيرفي وأبو إسحاق المروزي والقاضي أبو بكر والجبائي وابنه أبو هاشم وابن السمعاني وابن الحاجب. وقال الأصفهاني: إنه الحقُّ.
ومقابل الأصح: الجواز مطلقًا. وإليه ذهب أبو عبد الله وأبو الحسين البصريان، وعبد الجبار والإمام الرازي. ونَسَبه ابن برهان للمعظم.
والتفصيل بين الخبر عن الماضي فيمتنع؛ لأنه يكون تكذيبًا، دُون المستقبل؛ لجريانه مجرى الأمر والنهي، فيجوز أن يُرْفَع. وبه قال سليم الرازي، وسبقه إليه ابن القطان، وجرى عليه البيضاوي.
وهذا التفصيل مبني على أن الكذب لا يكون في المستقبل، بل في الماضي. وهو قول مشهور، بل هو المفهوم عن الشافعي - رضي الله عنه -؛ فلذلك قال: لا يجب الوفاء بالوعد. وضعّف احتجاج قائل الوجوب (بأنه كذب، وهو حرام) بأنَّ الوعد إنشاء، لا خبر، فَخُلْفه خُلْف وَعْد، لا كذب؛ ولذلك جاء في صفة المنافق:"إذا حَدَّث كذب، وإذا وَعد أَخْلف"(١)، فَغَايَر بينهما، ويسمي الثاني "إخلافًا"، لا "كذبًا".