وكذا قال الزجاجي في كتاب "الأذكار" بأن الإخبار بضد الصدق إذا كان مستقبلًا، يُقال فيه: أخلف، ولا يقال: كذب.
لكن قد يشكل هذا بأنه إذا لم يقبل الكذب فكيف يكون خبرًا؟
والحقُّ أن الخبر عن المستقبل يقبل التصديق والتكذيب. فإنْ تَعلق بالمستقبل ولم يقبل ذلك كالوعد، كان إنشاءً، وليس مما نحن فيه.
وحينئذٍ فيقال: الوعيد نَسْخه جائز؛ لأنه لا يفضي إلى كذب ولا يُعَد خُلْفًا، بل عفوًا وكرمًا.
وأما الوعد فهو وإنْ كان مِثله في أن نسخه لا يفضي إلى كذب، لكن لا يقع الخلف فيه، بخلاف الوعيد؛ لأنَّ الخلف في الإنعام نقص قادح في كرم الكريم، فكيف بأكرم الأكرمين؛ فالخلف فيه محال على الله تعالى من هذه الحيثية.
قال الخطابي: النسخ يجري فيما أخبر الله تعالى أنه يفعله؛ لأنه يجوز تعليقه على شرط، بخلاف إخباره عما لا يفعله؛ إذ لا يجوز دخول الشرط فيه.
قال: وعلى هذا تأول ابن عمر النسخ في قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ}[البقرة: ٢٨٤]، فإنه نسخها بعد ذلك برفع حديث النفس، وجرى ذلك مجرَى العفو والتخفيف عن عبادِه، وهو كرم وفضل، وليس بخلف.
قال الأصمعي:(سمعتُ أعرابيًّا يقول: سبحان مَن إذا وعد وفا، وإذا تَوعَّد عفا).
وفي نَسخ الخبر قول رابع بالتفصيل بين أن يكون الخبر الأول معلقًا بشرط أو استثناء فيجوز نسخه، وإلا فلا. قاله ابن بقلة في كتاب "البرهان"، قال: كما وَعَدَ قوم يونس بالعذاب إنْ لم يتوبوا، فلمَّا تابوا كشف عنهم.
وقول خامس اختاره الآمدي: يجوز مطلقًا إذا كان مما يتكرر والخبر عام، فيتبين بالناسخ