الثالث: أن الباقي بعد نسخ الوجوب الجوازُ المشترك بين الإباحة والندب، فيبقي الفعل إما مباحًا أو مندوبًا؛ لأنَّ الماهية الحاصلة بعد النسخ مركَّبة مِن قيدين:
أحدهما: زوال الحرج عن الفعل، وهو مستفاد من الأمر.
والثاني: زوال الحرج عن الترك، وهو مستفاد من الناسخ.
وهذه الماهية صادقة على المندوب والمباح؛ فلا يتعيَّن أحدهما بخصوصه.
الرابع: أن الباقي هو الجواز ومُطْلَق الطلب اللذان قد استُفِيدَا أولًا من الأمر الذي هو الإيجاب؛ لأنَّ المرتفع إنما هو التَّحَتُّم بالطلب، فبزوال التحتم يبقي أصل الطلب، وذلك هو الندب، فيبقي الفعل بعده مندوبًا.
وهذا القول حكاه في "جمع الجوامع". واستشكل بقول ابن القشيري في تقرير الدليل علي أنَّ الجواز لا يبقي بعد نسخ الوجوب:(إنه لو جاز أن يقال: يبقي الجواز، لساغ أن يقال: يبقي الندب. لاسيما والاقتضاء الكائن في الندب كائن في الوجوب. والمحكي قصر الخلاف على الجواز). انتهى
ونحوه قول الغزالي:(إن هذا بمنزلة قول القائل: كل واجب فهو مندوب وزيادة. فإذا نُسخ الوجوب، يبقى الندب. ولا قائل به)(١). انتهى
فاقتضى كلامهما أن كونه يبقي الندب لم يَقُل به أحد وإنْ كان الرد على القائلين ببقاء الجواز بذلك ليس بجيد؛ لأنهم لم يُعَيِّنوا الجواز مجردًا، بل أرادوا به الأعم، لكن هذا إنما يمشي على القول الثالث في تفسير الجواز. أما على الأولين فيتوجه الرد به. نعم، الندب علي