نعم، التفرقة بين "هذا ناسخ" و"هذا الناسخ" قَلَّ مَن ذكرها وإنْ كانت متجهة؛ لِمَا سبق تقريره في الفرق.
ونظيره مِن الفقه: لو عرف عموم الحريق وجهل هل احترقت الوديعة به؟ فإنه يُقبل قول المودع:(إنها احترقت) مِن غير يمين، بخلاف ما لو لم يعرف عمومه.
ونحوه: مَن قال: (طلقتُ زوجتي) وقال: (أردتُ طلقة سابقة، لا إنشاء طلقة) وعُرِف سَبْق طلاق له، فإنه يُقْبل، بخلاف ما إذا لم يَسبق طلاق.
ومنها: إذا وَردَ نَصان في حُكم متضادان ولم يمكن الجمع بينهما لكن أحد النَّصين موافِق للبراءة الأصلية والآخَر مخالف، وهو معنى قولي:(خَالَفَ مِنْ نَصَّيْنِ أَصْلًا)، فزعم بعضهم أن ذلك الذي خالف الأصل ولم يوافِق -ناسخٌ للذي وافق؛ لأنَّ المخالِف مستفاد مِن الشرع وهو المضاد للبراءة الأصلية؛ لأنَّ الانتقال من البراءة لاشتغال الذمة يقين، والعَوْد إلى الإباحة ثانيًا شك، فقُدِّم ذلك الذي لم يوافق الأصل.
قيل: لكن هذا بناءً على أن الأصل في الأشياء الإباحة.
قلتُ: وفيه نظر؛ فإنا ولو قلنا بأن الأصل التحريم وكان أحد النصين تحريمًا والآخر إباحة، صدق أن التحريم موافِق للأصل، إلا أنْ تُفْرَض المسألة في خصوص البراءة الأصلية ولا نجعل ذِكر ذلك مثالًا فقط، فيأتي ما ذكر.
ومما يماثل هذه المسألة من الفقه: ما لو تيقن الطهارة والحدث وشَكَّ في السابق منهما وقُلنا: يعمل بضد ما قبلهما إنْ كان حدثًا مطلقًا أو طهارة وهو ممن يعتاد التجديد، فإنَّ الانتقال للضد محقَّق، والعَوْد إلى مِثل السابق عليهما مشكوك.
ومنها: ثبوت إحدى الآيتين في المصحف قبل الأخرى، فلا تكون الأخيرة في الترتيب ناسخة للمقدَّمة؛ لأنَّ العِبرة إنما هو بالنزول، لا بالترتيب في الوضع؛ لأنَّ النزول بحسب