منها: رُخَص السفر، قالوا: لا يدخل فيها القياس؛ لعدم النظير، فيمنع لوجود المشقة في غير السفر مِن الأعمال الشاقة كالحمَّالين.
وجوابه: أن التعليل بمظنة المشقة؛ لِعدم انضباط الحكمة وهي المشقة كما سيأتي بيانه.
ومنها قولهم: يجري القياس في الحدود والكفارات والرُّخَص والتقديرات المراد فيها نفسها. أما مقاديرها فلا يجري فيها القياس.
ومنها: ما استُثني من القواعد العامة وهو معقول المعنى، ظاهر ما سبق أنه لا يقاس عليه. لكنه رأي بعض الحنفية، والذي عليه جمهورهم وجمهور أصحابنا أنه يقاس عليه، إلا أنهم لا يسمونه -والحالة هذه- "معدولًا به عن سَنَن القياس".
وقال محمَّد بن شجاع البلخي من الحنفية: إنْ ثبت المستثنى بدليل قطعي، جاز القياس عليه، وإلا فلا. والكرخي: إنْ كانت عِلة المستثنى منصوصة أو مجمَعًا عليها أو موافقة لبعض الأصول، جاز القياس، وإلا فلا.
وقال الإِمام الرازي: يُطلب الترجيح بينه وبين غيره.
ومن أمثلة المستثنى لمعنًى: تجويز بيع الرطب بالتمر في العرايا، فإنه على خلاف قاعدة الربويات عندنا، واقتُطِع عنها؛ لحاجة المحاويج، وذلك ثابت في حديث زيد بن ثابت - رضي الله عنه - أنهم لما شكوا إليه ذلك، رخَّصَ لهم في العرايا في الرطب (١).
قال أصحابنا: والعنب بالزبيب كالتمر. ثم قيل: إنه قياس. وبه قال ابن أبي هريرة. وقيل: بالنص. قاله المحاملي وابن الصباغ، ورووا في الحديث أنه رخص بيع الرطب بالتمر والعنب بالزبيب لهم. فترخيصه للأغنياء كما هو المرجَّح على ما وَرَدَ مِن الترخيص للمحاويج إنما هو بالقياس وكذا مَن أجاز بيع الرطب على الشجر بالرطب على وجه
(١) صحيح البخاري (رقم: ٢٠٨٠)، صحيح مسلم (رقم: ١٥٣٩).