وهو معنى قولي:(لِنَفْيِ تَأْثِيرٍ وَجَبْ). أي: إنما جاز تعدُّد العلة؛ لأن العلل الشرعية يجب نفي التأثير عنها، بل هي مُعَرِّفة.
والمذهب الثانى: ونقله القاضي وإمام الحرمين واختاره الآمدي: إنه غير جائز. فبالضرورة يكون غير واقع. وأن ما ذكرتم من الوقوع يعود إلى القسم الأول وهو أن المعلل بها واحد بالنوع، وأما الشخص فمتعدد. فالقتل بأسباب أشخاص القتل متعددة، والنوع واحد في المحل الواحد. فإنَّ القتل في صورة واحد مُحال تَعَدُّده؛ إذ هو إزهاق الروح. وكذلك أسباب الحدث إنما هي أحداث في محل، لا حدث واحد.
قيل: لو ارتضعت صغيرة بلبن زوجة أخيك وبلبن أختك كانت محرمة عليك؛ لكونك خالها وعمها، ولا يقال: فيه تحريمان: تحريم العم، وتحريم الخال. فهو مُزيل لِمَا تعلقوا به من الشبهة.
وفيه نظر؛ فقد يقال فيه بذلك بحسب التقدير؛ إذ لا مانع من ذلك.
والمذهب الثالث: وبه قال الأستاذ وابن فورك واختاره الإمام الرازي وأتباعه: أن ذلك جائز في العلة المنصوصة دون المستنبطة؛ لأن المنصوصة دل الشرع على تعددها، فكانت أمارات. وأما المستنبطة فما فائدة استخراجها علة إلا أنه لا علة غيرها تُتَخَيَّل.
وجوابه: أنها إذا كانت أمارات فاستنبطت متعدِّدة، فلا فرق.
الرابع: أن التعدد جائز عقلًا وممتنع شرعًا، على معنى أنه لم يقع في الشرع، لا على معنى أن الشرع دل على منعه. وهذا ما نقله ابن الحاجب عن إمام الحرمين. ونقل الآمدي عنه خلاف ذلك، ولكن قال الهندي: إن هذا هو الأشهر في النقل عنه. قيل: وهو الصحيح؛ فإنَّ عبارته في "البرهان": "ليس ممتنعًا عقلًا وتسويغًا ونظرًا إلى المصالح الكلية، ولكنه ممتنع شرعًا". وقال أنه تصفح الشريعة فلم يجد ذلك.