للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال أبو الخطاب: وعندي أنه أنكر عليهم الاستحسان مِن غير دليل، فلو كان عن دليل، لم ينكره؛ لأنه حقٌ، وهو معنى قوله: "أنا أذهب إلى كل حديث" إلى آخِره. أي: أَترك القياس بالخبر، وهو الاستحسان بالدليل.

وكان ينبغي لابن الحاجب نقله أيضًا عن المالكية، فقد قال القاضي عبد الوهاب أنَّ كتب أصحابهم مملوءة مِن ذِكره وإنْ لم يكن منصوصًا عن مالك. وممن نَصَّ على القول به ابن القاسم وأشهب وغيرهما.

وقد اختُلف في تفسير "الاستحسان" الذي في جَعْله من الأدلة الخلاف.

فالأشهر فيه ما اقتصرتُ عليه في النَّظم، وهو أنه: عبارة عن دليل ينقدح في نفس المجتهد تَقْصر عنه عبارته، فلا يَقْدِر أنْ يفوه به.

وَرَدَّه ابن الحاجب بأنه إنْ لم يتحقق كَوْنه دليلًا فمردود اتفاقًا، وإنْ تحقق فمعتبَر اتفاقًا.

قيل: وفيما قاله نظر؛ لأنه قد يقال على الشق الأول: لا معنى لكونه لم يتحقق؛ لأنَّ الفرض أنه عندهم دليل. وعلى الشق الثاني: لا نُسَلِّم أنَّ ما لا يمكن التعبير عنه مِن [الأدلة] (١) يُعْمَل به.

وأما البيضاوي فَرَدَّه بأنه لا بُدَّ مِن ظهوره؛ ليتميز صحيحه عن فاسده؛ فإنَّ ما ينقدح في نفس المجتهد قد يكون وَهْمًا لا عِبرة به.

قيل: وفيه أيضًا نظر؛ لأنَّ هذا إنما يقدح فيما يكون في المناظرة، وأما بالنسبة إلى عمل المجتهد به فإنه انقدح عنده أنه دليل؛ فعمل به وأفتى به وإنْ لم يَقْدر على التعبير عنه، فينبغي أنْ يقال في الرد: إنَّ المنقدح في نفس المجتهد إنما يمتاز عن غيره من الأدلة؛ لكونه لا يمكن التعبير عنه، ولكن ذلك لا يقد في كونه دليلًا، فيكون التمسك به وفاقًا، فأين الاستحسان


(١) كذا في (ق، ش)، لكن في سائر النسخ: الاول.

<<  <  ج: ص:  >  >>