وأما الثانية فمِن ذلك أيضًا، لأنه إذا وُجِد المقتضِي للرجوع وليس ذاكِرًا للدليل، فلا يعرف رجحانه.
وأما الثالثة فلأنه إذا لم يتجدد ما يقتضي الرجوع فلم يفقد رجحان الأول.
وأما الرابعة فمِن مفهوم كون المقتضِي للرجحان مفقودًا، فيجب عليه إعادة الاجتهاد.
المسألة الثانية:
أن السائل المستفتي إذا أفتاه المفتي بحكم ثم تجددت له الواقعة وقلنا: إنَّ المجتهد يُعيد اجتهاده، يجب على السائل أْن يعيد السؤال، لأنه قد يتغير نَظر المفتي.
هذا أصح الوجهين عند أصحابنا، وقطع به القاضي أَبو الطيب في "تعليقه".
لكن محل الخلاف إذا عرف المستفتي أنَّ جواب المفتي مستنِد إلى الرأي - كالقياس - أو شَكَّ في ذلك والفَرْض أن المقلَّد حَي، فإنْ عرف استناد الجواب إلى نَص أو إجماع فلا حاجة إلى إعادة السؤال ثانيًا قَطْعًا كما ذكره الرافعي، قال:(وكذا لو كان المقلَّد مَيتا وجَوَّزْنا تقليد الميت)(١). أي: فلا يعيد السؤال فيه أيضًا قطعًا.
ونظير المسألة إذا عُدل الشاهد ثم شهد في واقعة أخرى، قال أصحابنا: إنْ لم يَطُل الزمان، حُكِم بشهادته ولا يُطْلَب تعديله. وإنْ طال فوجهان، أصحهما: يُطلب تعديله؛ لأنَّ طول الزمان يُغَيِّر الأحوال.
وإلى أصل هذه المسألة أشرتُ بقولي:(فَسَائِلٌ أُفْتِيَ)، فعطفته بِـ "الفاء" إشارة إلى أنَّها مُرَتَبة على ما قبلها.
وبقولي:([لَا مِنْ] مُجْمَعِ) أي: لا إذا كان المفتي أفتاه مِن حيث كَوْن الحكم مجمعًا عليه