وفيه نَظَر؛ لأنَّ الأعيان لا توصَف بِحِلٍّ ولا حُرْمَة عندنا، خِلافًا للحنفية، فيبقي التناوُل وهو واجب، فكيف يَكون حرامًا وهو ليس ذا وَجْهَين؟ !
وحكى الإمامُ عبد العزيز (شارِحُ البَزْدَوِي) خلافًا عن العلماء في حُكم الميتة ونحوها في حالة الضرورة: هل هي مباحةٌ؟ أو تبقى على التحريم ويرتفع الإثم كما في الإكراه على الكفر؟ وهو رواية عن أبي يوسف وأحد قولَي الشافعي. قال: وذهب أكثر أصحابنا إلى ارتفاع الحرمة، وذكر للخلاف فائدتين:
إحداهما: أنه إذا جاع حتى مات، لا يَكون آثمًا على الأول، بخلافه على الآخَر.
الثانية: إذا حلف لا يأكل حرامًا فتناوله في حالة الضرورة، يحنث على الأول، ولا يحنث على الثاني.
الثاني: ظاهر إطلاق كثير أنَّ الرخصة لا تكون حرامًا ولا مكروهًا؛ لحديث:"إنَّ الله يحب أنْ تُؤتَى رُخَصُه كما يحب أنْ تؤتَى عزائمه"(١). وهذا داخل في إشارة قولي:(والمَرْضِي كذا وكذا). أَيْ: لا غَيْره.
نَعَم، قد يُتوهم مِن كلام الأصحاب في مواضع خِلافُ ذلك:
أمَّا التحريم: فكالاستنجاء بالذهب والفضة، فإنه حرام مع كَوْن الاستنجاء بغير الماء رخصة، وقول "الروضة" تبعًا للشرح: (ويجوز بِقِطْعَة ذهب وفضة) إنما المراد به صحة الاستنجاء بذلك والاكتفاء به كما صرح به في "التحقيق" إذْ قال: (والأصح إجزاؤه بذهب وفضة). فَاعْلَمه.