وأما الكراهة: فكالقصر في أَقَل مِن ثلاث مراحل، فإنه مكروه كما قاله الماوردي في باب الرضاع، وكذلك اتِّبَاع النساء الجنائز، فإنه مكروه -على الأصح في "الروضة" إذا لم يُؤدِّ إلى فِعل حرام، وقد قالت أم عطية - رضي الله عنهما -: "نُهينا عن اتِّباع الجنائز ولم يُعْزَم علينا"(١). وقيل: بل حرام.
الثالث: الحاصل مِن تقرير مجامعة الرخصة الوجوب ونحوه أنَّ الرخصة في الحقيقة إحلال الشيء؛ لأنها التيسير والتسهيل، ثم قد يَعْرض له وَصْفٌ آخَر مِن الأحكام غَيْر الحل؛ لِدليلٍ، كَحِلِّ أَكْل الميتة نشأ وجوبه مِن وجوب حِفظ النفْس كما سبق؛ فلذلك انقسمت الرخصة إلى الأقسام السابقة، بل لها أقسام أخرى باعتبار ما يتولد مِن الانتقال مِن نوع مِن الأحكام إلى نوع أَسْهَل منه مِن حيث ما هو أشد منه فيه ولو كان في المُنْتَقَل إليه تشديد باعتبار آخر.
بيان ذلك أنَّ المُنْتَقَل عنه ستة: الإيجاب، والندب، والإباحة، والتحريم، والكراهة، والمنع مِن شيء خِلَاف الأَوْلَى. والمُنْتَقَل إليه ستة مِثْل ذلك، فيحصل مِن ضَرْب ستة في سِتَّةٍ ستةٌ وثلاثون، يسقط منها الانتقال مِن كُلٍّ إلى نَفْسه؛ يَبْقَى ثلاثون، يَسقط منها ما فيه انتقال مِن أَخَف إلى أثقل، كالانتقال مِن المباح إلى الخمسة الأخرى؛ لأنه لا شيء أَخَف مِن المباح، تبقى خمسةٌ وعشرون، وكذا الانتقال مِن مستحبٍّ إلى واجب، ومن مكروه وخِلاف الأَوْلى إلى حرام، ومن خِلَاف الأَوْلى إلى مكروه، فهذه أربعةٌ أُخرى ساقطة، يبقى أحد وعشرون، وهي:
(١) ما رُخِّصَ فيه مِن تحريم إلى واجب. (٢) إلى مندوب. (٣) إلى مباح. (٤) إلى مكروه. (٥) إلى خِلَاف الأَوْلَى.