وقولي:(فالمباح) إلى آخِره -هو تفريع مسألة أصولية على القاعدة السابقة، وهي أنَّ المباح إذَا كان وسيلة لترك حرام، كان واجبًا؛ لأنَّ ترْكَ الحرام واجبٌ، وما تَوَقَّف عليه الواجبُ واجبٌ. نَعَم، لا يَلزم مِن ذلك انتفاء المباح مِن الشرع بالكُلية وإنْ كان الكعبي قد تَعلَّق في نفي المباح بهذه القاعدة.
والكعبي هو أبو القاسم عبد الله بن أحمد البلخي المعتزلي، تلميذ أبي الحسين الخياط، توفي سنة تسع عشرة وثلثمائة، وأتباعه طائفة يُسمون البلخية، فوافقوه على إنكار المباح، وحكاه ابن الصباغ عن أبي بكر الدقاق وهو معتزلي أيضًا، ونقله القاضي عبد الوهاب عن معتزلة بغداد، ونقله الباجي عن أبي الفرج مِن المالكية.
فإنْ كانت هذه المقالة إنكار الأصل المباح كما هو ظاهر نَقْل إمام الحرمين في "البرهان" عن الكعبي وكذا هو ظاهر نَقْل ابن برهان في "الوجيز" و"الأوسط" وإلْكِيا الهراسي والآمدي وغيرهم عنه، فهو ظاهر الفساد، مخالفٌ لإجماع عصابة المسلمين المنعقد قَبْل المخالفين أنَّ مِن أحكام الله عز وجل قِسم المباح.