للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مثل: "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت" إلى قوله: "اقرءوا إنْ شئتم: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: ١٧] " (١).

وساق مِن ذلك كثيرًا.

وأمَّا كَوْنها قد تَكون معجزة فلأنَّ وجُوه إعجاز القرآن مِن البلاغة التي لا يَقدِر أحدٌ على مِثلها، والإخبار عن المغيبات وغير ذلك - يوجد في كثيرِ من السُّنة.

ومما يخرج بهذا القيد: ما في السُّنة أيضًا مِن حكايته أقوال الله تعالى، فإنه ليس بِقُرآن أيضًا؛ لأنه لم ينزل للأعجاز. والمراد بالإعجاز أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أن يتحدَّاهم بما جاء به، فيقول: هل تَقْدرون أنْ تأتوا بمثل ما قُلتُه؟ فيعجزون عن ذلك، فقدْ أعْجَزَهُم ذلك القول؛ فهو مُعجز.

فالسُّنة معجزة بالقوة؛ لكونه لم يطلب منهم أنْ يأتوا بمثلها. والقرآن مُعجز بالفعل، لكونه تحدَّاهم أنْ يأتوا بمثله بِأَمْر الله له بالتحدي به، ولم يأمره أنْ يتحدى بالسُّنة، فهذا الفَرْق بين الإعجازين.

ومن هنا لم أحْتَج في النَّظم أنْ أقول: (المنزل للإعجاز) لتخرج السُّنة؛ اكتفاءً بِقَولي: (معجز)، أيْ: بالفعل؛ لأنه الحقيقة، وما بالقوة مجاز، فلم تدخل السُّنة؛ لأنُّ الحقيقة هي المرادَة عند الإطلاق.

وقولي: (بَلْ سُورَةٌ، بَلْ آيَةٌ إذْ يُعْجِزُ) إشارة إلى أنَّ الإعجاز قد وقع بالتحدي بالقرآن كُله في قوله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} [السجدة: ٨٨]. أيْ: فأْتوا بمثله إنِ ادَّعيتم القدرة، فلَمَّا عجزوا، تحدَّاهم بعَشر سُوَر بقوله تعالى: {قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} [هود: ١٣] , فلَمَّا عجزوا،


(١) صحيح البخاري (رقم: ٣٠٧٢)، صحيح مسلم (رقم: ٢٨٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>