على أنَّ بعضهم علَّل عدم اعتبار الفاسق في الإجماع بأنَّ إخباره عن نفسه لا يوثق به، فربما أخبر بالوفاق وهو مخالِف، وبالعكس؛ فلَمَّا تَعَذَّر الوصول إلى معرفة قوله، سقط اعتباره، وحينئذ فلا يُبنى على اعتبار العدالة في الاجتهاد، بل يمنع ولو قُلنا بأنها ليست ركنًا في الاجتهاد. لكن الذي قاله ابن برهان وغيره البناء كما سبق، وأيضًا فقدْ يُتوصل إلى معرفة اعتقاده بقرائن تنضم إلى إخباره، لا مجرد إخباره، والله أعلم.
الشرح: أَيْ: وعُلم مما تقدم مِن كوْن الإجماع اتفاق مجتهدي الأُمة أنه لا يشترط بلوغهم عدد التواتر الآتي بيانه في موضعه. هذا قول الأكثر، ونقله ابن برهان عن معظم العلماء. ونقل مقابِله الذي قال به القاضي أبو بكر (وهو أنَّ إجماع ما دُون عدد التواتر لا ينعقد عقلاً) عن طوائف مِن المتكلمين.
ومعنى قولهم:(عَقْلًا) أنهم إذا لم يبلغوا عدد التواتر، لا يمتنع عقلاً تواطؤهم على الخطأ، لكن هذا إنما هو تفريع على أنَّ حجية الإجماع عِلَّتُها ذلك، وقد سبق أنَّ المعتمد إنما هو القرآن والسُّنة.
وممن اختار عدم الحجية فيما لم يَنتهِ إلى عدد التواتر أيضًا إمام الحرمين، فإنه لَمَّا نقل عن بعض الأصوليين أنه لا يجوز أنْ ينحط علماء الأُمة في عصر عن أقَل عدد التواتر وأنَّ الأستاذ أبا إسحاق قال:"يجوز، ويكون حُجة حتى في الواحد"، قال:(والذي نرتضيه -وهو الحق - أنه يجوز انحطاط العلماء عن عدد التواتر، بل يجوز شغور الزمان عن العلماء)(١).