في "مختصره" الصغير كما سبق نقله عنه، ولكنه في الحقيقة هو القول بأنه حُجة مع التردد في تسميته إجماعًا أوْ لا.
وفي كيفية الخلاف طُرق كثيرة في بيان محله ومحل القطع يَطُول ذِكرها, ولا فائدة فيه.
وقولي:(مِنْ غَير دَاعٍ) إشارة إلى أنَّ حجية الإجماع السكوتي -عند مَن يراه- يشترط فيه أمور تدخل كلها تحت انتفاء الداعي عن السكوت مِن غير موافقة:
منها: كوْن ذلك في المسائل التكليفية، وأنْ يكون في محل الاجتهاد، وأنْ يطَّلعوا على ذلك، وأن لا يكون هناك أمارة سخط وإنْ أيصرحوا به، وأنْ يمضي قَدْر مَهْل النظر عادة في تلك الحالة، وأنْ لا ينكر ذلك مع طول الزمان.
فخرج ما ليس من مسائل التكليف، نحو قول القائل:"عمار أفضل من حذيفة" أو بالعكس، لا يدل السكوت فيه على شيء؛ إذْ لا تكليف على الناس فيه. وما إذا كان القائل مخالفًا للثابت القطعي، فالسكوت عنه ليس دليلًا على موافقته.
وخرج أيضًا ما لم يطَّلع عليه الساكتون؛ فإنه لا يكون حجة قطعًا، والمراد القطع باطِّلاعهم أو غلبة الظن بذلك؛ لانتشاره وشهرته- كما صرح به الأستاذ نقلًا عن مذهب الشافعي واختيارًا له. أمَّا إنِ احتمل واحتمل، فلا- كما نقله ابن الحاجب عن الأكثر، ومقابِله قول: إنه حُجة.
وقال الإِمام الرازي وأتباعه: إنَّ القول إنْ كان فيما تعم به البلوى (كنقض الوضوء بمس الذكر) فهو حجة، وإلا فلا (١). لكن صوّر ذلك في عصر الصحابة بناءً على أنَّ قول الصحابي حُجة كما صوَّر به الإِمام وغيره هذه المسألة، وإلا فلا، فبعض الأُمة مِن غير موافقة الباقين لا يُتصور القول بكونه حُجة. وقد علمت أن هذا التفصيل قول في أصل المسألة كما بيناه.