وخرج أيضًا ما إذا كان هناك أمارة سُخطٍ؛ فإنه ليس بحجة بلا خلاف، كما أنه إذا كان معه أمارة رضًى، يكون إجماعًا بلا خلاف -كما قاله الروياني والقاضي عبد الوهاب المالكي. نعم كلام الإمام الرازي كالصريح في جريان الخلاف فيما ظهر فيه أمارة السخط.
وخرج ما إذا لم يمض مدة النظر، وذلك لاحتمال أنَّ الساكت كان في مهلة النظر.
ومن شروط محل الخلاف أيضًا أن لا يطول الزمان مع [تكرر](١) الواقعة. فإنْ كان كذلك فهو محل الخلاف السابق كما هو مقتضى كلام إمام الحرمين، وصرح به ابن التلمساني.
وأنْ يكون قبل استقرار المذاهب، فأما بعد استقرارها فلا أثر للسكوتي قطعًا، كإفتاء مقلد سكت عنه المخالفون لِلْعِلم بمذهبهم ومذهبه، كشافعي يقضي بنقض الوضوء بمس الذكر، فلا يدل سكوت مَن يخالفه (كالحنفية) على موافقته. قاله إلْكِيا وغيرُه.
تنبيه:
ينبغي أنْ يدخل في المسألة ما إذا فَعل بعضُ أهل الإجماع فِعلًا ولم يصدر منهم قول وسكت الباقون عليه، أنْ يكون هذا إجماعًا سكوتيًّا؛ بناءً على ما سبق مِن المرجَّح في أصل الإجماع أنه لا فرْق بين القول والفعل، بل يتولد من ذلك أنَّ الفاعل لو كان غير أهل الإجماع واطَّلع عليه أهل الإجماع ولم ينكروا عليه ولا داعي لعدم إنكارهم، أنْ يكون ذلك حجة؛ لأن تقريرهم كتقرير الرسول - صلى الله عليه وسلم - شخصًا على فعلٍ، كما أوضحناه.
وإنما أَطَلْتُ في هذه المسألة بالنسبة إلى هذا المختصر لأنها مِن أُمهات الأصول، ومن المحتاج لإيضاحه، والله أعلم.