وحمل غيرُه كلام الشافعي على أنه أراد غَلبة الظن بأنه المستند، لا بِعَينه.
واحترز بِـ "الواحد"عن "المتواتر"؛ فإنه يكون مستندهم بلا خلاف كما قاله القاضي عبد الوهاب؛ لأنه يجب عليهم العمل بموجَب النَّص. انتهى.
قلتُ: وفيه نظر؛ لأنه لا يَلزم مِن القطع بالمتن القطعُ بالدلالة، فقدْ يستندون إلى غيره؛ لذلك.
فإنْ قيل: ما الفرق بين هذا وبين المجتهد إذا عَلَّل حُكم الأصل بِعِلَّة مناسبة فمنع الخصم كون تلك علة؛ لجواز أنْ تكون العلة غيرها, لم يُسْمَع؛ لأن الأحكام لا بُدَّ لها من علة، وقد وُجدت وهي مناسبة؛ فَتَعَيَّنَت؛ لأنَّ الأصل عدم ما سواها.
قيل: لأنَّ مسألتنا انتهض الدليل فيها بالإجماع؛ فلم يحتج إلى معرفة غيره من الأدلة، وإنْ وُجد موافقًا، فهو من باب كثرة الأدلة، وأما القياس فلا ينتهض الإلحاق ما لم تَثبت العلة؛ فَتَعَيَّن الاستناد إليها.
وقولي:(وَالِاتِّفَاقُ بَعْدَ خُلْفٍ أَوْجَبُوا) إلى آخِره -إشارة إلى مسألة ما لو وقع الاتفاق بعد الاختلاف، وهي مَبنية على أن مستند الإجماع يكون أمارة [ظنًّا](١)؛ فلذلك عقبتها بما سبق، ولها صُوَر:
إحداها: أن يختلف أهل عصر على قولين ثم يتفق أهل عصر بعده على أحد القولين. فإنْ كان ذلك قبل استقرار خلاف الأوَّلين، أيْ قبل مُضي مدة على ذلك الخلاف يُعلَم بها أن كل قائل مُصمم على قوله لا ينثني عنه، فالجمهور على جوازه، وذلك كخلاف الصحابة لأبي بكر - رضي الله عنهم - في قتال مانعي الزكاة وإجماعهم بعد ذلك، وكذا خلافهم في دفنه - صلى الله عليه وسلم - في أي مكان ثم أجمعوا على بيت عائشة - رضي الله عنها -؛ إذِ الخلاف لم يكن استقر.