الصديق - رضي الله عنه - جَلد في حد الخمر أربعين وقد أجمع الصحابة - رضي الله عنهم - على ثمانين في زمن [عمر](١)، فلم يجعلوا المسألة إجماعًا؛ لأنَّ الخلاف كان قد تَقدم وقد مات مِمَّن قال بذلك بعض، ورجع بعضٌ إلى قول عمر - رضي الله عنه -.
فرع: لو أجمعوا وخالف مَن كفرناه ببدعته فلَم يُعتد بخلافه، ثم رجع عن بدعته ولكن بقي خلافه في تلك المسألة التي خالفوا فيها زمن كفرهم، ينبني على انقراض العصر: إنِ اعتُبر، لم يكن إجماعًا. وإنْ لم يُعتبر وهو الأصح، وَجَب كوْنه إجماعًا. كما لو بلغ صبي أو أسلم كافر وبلغ رُتبة الاجتهاد: إذا خالف، لا يُعتد به؛ لأنَّ الإجماع قد سبق، والتفريع على عدم اعتبار الانقراض.
وهذه الصُّوَر كلها يشملها قولي في النظم:(وَالِاتِّفَاقُ بَعْدَ خُلْفٍ أَوْجَبُوا صِحَّتَهُ مِنْهُمْ وَمنْ غَيْرِهِمِ). أيْ: أوجب العلماء -على القول الراجح في الكل- أنه إجماع صحيح وحُجة شرعية، والله أعلم. وقولي:(وَالْأَخْذُ بِالْأَقَلِّ مِمَّا قَدْ نُمِي) أي: نُقل، وتتمته قولي: بعده:
الشرح: إشارة إلى قاعدة تُنسب للشافعي رحمه الله تعالى، وهي:"الأخذ بأقلِّ ما قِيل"، وذكرتها هنا -تبعًا لكثير كابن الحاجب- وإنْ ذكَرها كثير في الأدلة المختلف فيها؛ لأنها ترجع إلى إجماع كما سيأتي تقريره. وقد وافق الشافعيَّ عليها القاضي وكثيرون، وخالفه قوم.
وصورة المسألة كما قال ابن السمعاني: أنْ يختلف العلماء في مقدَّرٍ بالاجتهاد، فيؤخذ بأقَلِّها إذا لم يدل على الزائد دليل. وربما قُصِر ذلك على اختلاف الصحابة - رضي الله عنهم - كما فسر به ابن