للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

القطان.

وقال القفال الشاشي: هو أنْ يَرِد فِعل مِن النبي - صلى الله عليه وسلم - مُبَيِّنًا لِمُجْمَل ويحتاج إلى تحديده، فيُصار إلى أقلِّ ما يؤخذ (١)، وهذا كما قال الشافعي في أقل الجزية: إنه دينار؛ لأن الدليل قام على أنه لا بُدَّ من توقيت، فصار إلى أقل ما حُكى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أخذ في الجزية. قال: وهذا أصل في التوقيت قد صار إليه الشافعي في مسائل كثيرة، كتحديد مسافة القصر بمرحلتين، وما لا ينجس بملاقاة النجس حتى يتغير بِقُلَّتَين، وأن دية اليهودي ثُلث دية المسلم.

وعلى التقرير الأول يُمثل بمسألة الدية أيضًا، فمِن قائل مِن الصحابة وغيرهم: إنَّ دية اليهودي أو النصراني نصف دية المسلم. ومن قائل: دية مسلم. ومن قائل: ثلث دية مسلم، فكان هذا أقلَّها. ومِثله ما ذهب إليه في الدية أنها أخماس، وقيل: أرباع، فالأخماس أقَل. فالأقل دائما مُجْمع عليه؛ لاجتماع الكل فيه، ألا ترى أنَّ كلًّا من الجميع والنصف مشتمل على الثلث في مثال قدر الدية؟

نعم، نفْي الزائد التمسك فيه بالبراءة الأصلية؛ ولذلك كان فرض المسألة فيما كان فيه الأصل براءة الذمة، فإن الأصل في مسألة الدية مثلًا براءةُ ذمة القاتل من الزائد على الأقل.

وقد ظهر بذلك أنه لا يَرِد على هذه القاعدة الجمعة حيث اختُلف في عدد ما تنعقد به، فقيل: أربعون، وقيل دون ذلك كالاثنين والثلاثة ونحو ذلك، مع أن الشافعي أخذ فيها بالأربعين، وهو أكثر ما قيل.

لأنَّا نقول: الجمعة ثابتة في الذمة بيقين؛ فلا يخرج عن عهدتها إلا بيقين، واليقين هنا هو الأكثر، لا الأقل، فكل مَن قال بصحتها بدون الأربعين قال به في الأربعين، فالْمُجْمَع عليه هو الصحة بالأربعين، فلَم تخرج عن القاعدة، بخلاف ما سبق في الدية ونحوها.


(١) كلمة "يؤخذ" جاءت في بعض النُّسخ: يوجد.

<<  <  ج: ص:  >  >>