على أنَّ ابن السمعاني حكى في ذلك وجهين في مَأْخَذ الشافعي في هذه القاعدة، أحدهما: ما ذكرناه. والثاني: أنَّ الشافعي إنما اعتبر الأربعين بدليل آخر.
فَعَلى الأول يُراد بالقاعدة القسمان معًا؛ لأن المراد الأخذ بالمحقق وطرح المشكوك فيما أصله البراءة، والأخذ بما يُخرج عن العهدة بيقين فيما أصله شغل الذمة، ورجح هذا المأخذ ابن السمعاني.
فإن قيل: الجمعة والدِّية كلاهما في الذمة بعد وجود سببهما، وقبل وجوده تكون الذمة خالية منهما، فهُما سواء.
فالجواب: أنَّ ما تَقَيَّد وارتبط بعضُه ببعض لا يُعتد ببعضه منفردًا، فالشَّغْل باقٍ، كالجمعة، فإنَّ المجمعين فِعلهم مرتبط بعضه ببعض، وما لا يرتبط -كالدية- يُعْتَد ببعضه منفردًا؛ لأنَّ مَن وجب عليه عشرون درهمًا لزيد، مأمور بتأدية كل درهم بخصوصه، فحينئذ الزائد لا يتحقق شغل الذمة به، فَفَارَقَ الجمعة. وليكن هذا جوابًا آخر عنها.
وأمَّا على تصوير القفال القاعدة فقد قال: إن الأربعين في الجمعة هو أقَل ما رُوي أنه - صلى الله عليه وسلم - جمَّع بهم. ومما نُقِض به القاعدة الغسل من ولوغ الكلب، لم يأخذ فيه بأقل ما قيل، بل بالأكثر وهو السبع.
وأجاب ابن القطان بأن الكلام فيما لم يَرِد فيه نَص، بل دار بين أصول مجتهَد فيها، والسبع ورَدَ النص فيها.
واعلَم أن من شروط القاعدة: أنْ لا يكون دليل يدل على الزائد، ولا أحد قال بأقل مما فرض أنه أقل، ولا دليل دل على الأقل بخصوصه، وسبق في الأمثلة ما يوضح ذلك.
ومما يتفرع على القاعدة ما نُقل عن الشافعي فيمن سرق شيئًا فشهد شاهد أن قيمته ربع دينار، وآخَر: ثُمن دينار، لا يُقطع. وكذا لو شهد شاهد عليه بألْف وآخَر بألف وخمسمائة، لا