أحدهما: إذا كان الأخذ بأقل ما قيل مركَّبًا من شيئين: إجماع، وبراءة أصلية في الزائد كما سبق، وقد قرره كذلك القاضي في "التقريب" والغزالي وغيرهما، فكيف أدخلته في مسائل الإجماع؟ وكيف ينازع المخالف للشافعي فيه بأنه لا إجماع فيه باعتبار الزائد كما قرر ذلك ابن الحاجب وغيره؟
والجواب: أنه من حيث الأقل عملٌ بمجمع عليه؛ فدخل في مسائل الإجماع وإنْ كان الشق الآخر مستنِدًا للبراءة الأصلية، وقد قرره كذلك العبدري في شرح "البرهان".
الثاني: نظير هذه المسألة اختلاف العلماء فيما إذا اختلف عليه مفتيان، هل يأخذ بقول أعظمهما؛ أو يتخير؛ ذكر هذا الأصل الماوردي في "الحاوي" في باب "جزاء الصيد"، وبنى عليه إذَا حَكم عدلان بمثلٍ وآخَران بآخَر، فوجهان ينبنيان على ذلك، والله أعلم.
الشرح: خَرْق الإجماع بمخالفة الحكم المجمع عليه حرام؛ لأن الله عز وجل تَوَعَّد عليه بقوله:{وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}[النساء: ١١٥]. فإنْ كان مستنده النص فقطْعًا، وإن كان عن قياس ونحوه فَعَلَى الأصح.
ومُقابِلُه قول حكاه عبد الجبار: إنه يجوز؛ لاحتمال خلاف اجتهادهم.
ورُدَّ بأنَّ بالإجماع قد انقطع النظر والاجتهاد، وصار دليلًا شرعيًّا تحرم مخالفته.