للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثُم رأيناه يتحرج، فالعمل بالخبر أيضًا، ويُحمَل تَحَرُّجُه على التورُّع. وإنْ ناقض عملُه روايتَه ولم نجد محمَلًا في الجمْع، امتنع التعلق بروايته، إذْ لا يُظَن بمن هو أَهْل للرواية أن يتعمد مخالفة ما رواه إلا عن ثبتٍ يُوجِب المخالفة) (١).

قال ابن القشيري: وعلى هذا فلا يُقطع بأن الحديث منسوخ كما يقوله ابن أبان.

وربما ظن الراوي شيئًا ناسخًا وليس بناسخ؛ ولهذا إذا قال الصحابي في خبر: "إنه منسوخ"، لا يَثْبُت النسخ بذلك كما سيأتي.

ثم قال إمام الحرمين: (إن هذا غير مختص بالصحابي، بل لو روى بعض الأئمة خبرًا وعمل بخلافه، كان على هذا التفصيل) (٢).

وستأتي المسألة قريبًا.

وما نُقل مِن مخالفة أبي حنيفة حديث خيار المجلس وكذا مالك فمحمول على أن أبا حنيفة لَمَّا قَدَّم القياس ومالِكًا عملَ أهلِ المدينة (٣) ترَكَا ظاهر الحديث لذلك، وقد بَيَّنَّا المسألتين في محلهما.

ومتى لم يُعْلم سبب المخالفة، كان في ذلك تضعيف للحديث عند المخالف.

ومنها وهو مسألة الكتاب: أن يروي الصحابي خبرًا محتملًا لمعنيين ويحمله على أحدهما. فإنْ تَنَافَيَا كالقروء ويحملُه الراوي على الأطهار، وَجبَ الرجوع إلى حمله كما قاله جمهور أصحابنا كالأستاذَين -أبي إسحاق وأبي منصور- وابن فورك وإلْكِيَا وسليم، ونقله القاضي أبو الطيب في باب "بيع الثمار" عن مذهب الشافعي؛ ولذلك رجع إلى تفسير ابن


(١) البرهان (١/ ٢٩٤).
(٢) البرهان (١/ ٢٩٥).
(٣) يعني: قَدَّم مالك عملَ أهل المدينة.

<<  <  ج: ص:  >  >>