فإنْ قُلتَ: المنقول عنهم إثباته أئمة، فكيف يقول الشافعي ذلك؟
قلتُ: قد أجاب هو في "الرسالة" عنه بأنه لعلَّ قائله أراد به ما جهل معناه بعض العرب، ولهذا قال عمر - رضي الله عنه - لَمَّا سمع {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا}[عبس: ٣١]: (لا أدري ما "الأَبُّ"). وقال ابن عباس:(ما كنتُ أدري معنى {افْتَحْ بَيْنَنَا}[الأعراف: ٨٩] حتى سمعتُ أعرابية تقول: تعال إلى القاضي يفتح بيننا). ولا يَلزم مِن كونه غير معلوم لواحد أو اثنين أن لا تكون عربية.
وأجاب غير الشافعي: بأن الوضع في الأصل للعجم، فلمَّا استعملتها العرب في لُغتها، كان ذلك وضعًا موافقًا لُغة غيرهم.
وإليه ذهب أبو عبيد في "غريبه" بعد أن نقل عن أبي عبيدة معمر بن المثنى أنَّ مَن زعم أنَّ في القرآن لسانًا سِوَى العربية فقد أعظم على الله تعالى القول. وقال: إنَّ مَن ذهب إلى إثباته -كابن عباس وغيره- وإنْ كانوا أَعْلم مِن أبي عبيدة فإنما أرادوا باعتبار الأصل، وهو أراد باعتبار أنها لَمَّا استعملته صار عربيًّا، فكلاهما مُصيبٌ إن شاء الله تعالى.
وهذا الجواب قريب مما ذكرتُه في النَّظم الذي سبق تقريره، إلا أنَّ ذاك أَحْسن باعتبار جريانه على أن اللغة توقيفية أو اصطلاحية، وهذا إنما هو على كونها اصطلاحية.
أما وقوع المعرَّب في السُّنة فجزَم به كثير وإنْ كان ابن القشيري وغيره نصبوا الخلاف الذي في القرآن فيها أيضًا، ولكون هذا بعيدًا لم أتعرض في النَّظم له.
وقد بوَّب البخاري في "صحيحه" باب "مَن تكلم بالفارسية والرَّطَانة"، وأسند فيه عن أُم خالد:"أتيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أبي وعلَيَّ قميصٌ أصفر، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: سَنَهْ سَنَهْ"(١). قال ابن المبارك: هي بالحبشية: حسنة.