للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَالسَّفرُ إِليهِ لِأجلِ الوُقُوفِ بِهِ مَع الاعتقَادِ أَنَّ هَذَا قُربَةٌ مُحَرّمٌ بِلَا رَيبٍ. وَقَولُ القَائِلِ: قَدِّس حَجَّتَكَ بَاطِلٌ لَا أَصلَ لَهُ (١).

وَوَاضِحٌ أَنّ ابنَ تَيمِيَّةَ إِنَّمَا أَرادَ أَن يَجعَلَ قَداسَةَ القُدسِ في إِطَارِ مَا أَقرَّتهُ عَقِيدَةُ الإِسلَامِ وَشرِيعَتُهُ حَتَّى لَا تُساوَى بِمكَّةَ في قَدَاسَتهَا وَفِي الطُّقُوسِ التَّعبُّدِيَّةِ التِي تُؤدَّى فِيهَا. وَلَولَا مَا ذَهبَ إِليهِ هَذَا الفَقِيهُ مِن الأَحكَامِ الصَّارِمةِ جِدًّا في حَقِّ المُتَجَاوِزِينَ لَكَانَ مَا قَالَهُ في القُدسِ هُوَ مَا يَقُولُهُ كُلُّ مُسلِمٍ؛ إِذ إِنَّهُ لَم يُحَاوِل أَبَدًا الانتِقَاصَ مِن قَدَاستِهَا عِندَ المُسلِمِينَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ فَقط دَفعَ المُسلِمِينَ عن تَجَاوُزِ الحُدُودِ المَشرُوعَةِ في النَّظرَةِ إَليهَا.

***

إِذَا كُنَّا قَد خَلُصنَا مِن خِلَالِ الصَّفحَاتِ السَّابقَةِ إِلَى أَنَّ الأَسبَابَ التِي أَعطَاهَا عَددٌ مِن الدَّارِسِينَ لِتَأَخُّرِ الكِتابةِ المُتَخَصّصَةِ في فَضَائِلِ القُدسِ يَتَعذَّرُ قَبُولُهَا، فَإِنّ كَاتِبًا يَهُودِيًّا أَمِيرِكِيًّا ـ هُوَ الآنَ أُستاذٌ في جَامِعَةِ برِنِستُون ـ لَم يَستَطِع هُوَ الآخَرُ أَن يَتقَبَّلَ كَثِيرًا مِن هَذِهِ الفَرضِيَّاتِ وَالتَّصَوُّرَاتِ، بِغَضِّ النَّظرِ عن عِلَاقَتِهَا أَو عَدَمِ عِلَاقتِهَا بتَأَخّرِ الكِتَابَةِ في فِضَائلِ القُدسِ. فَهَذَا الكَاتِبُ ـ وَهُوَ: س. د. جُوِيتِين S. D. Goitein ، الّذِي أَلّفَ كِتَابًا عَامَ ١٩٦٦ بِعُنوَانِ (دِرَاساتٌ في التَّارِيخِ الإِسلَامِيِّ وَالمُؤسَّسَاتِ الإِسلَامِيةِ Studies in Islamic History and Institutions) ـ نَفَى أَن يَكُونَ عَبدُ المَلكِ بنُ مَروَانَ قَد حَاولَ بِبنَائِهِ قُبَّةَ الصَّخرَةِ أَن يُحوِّلَ الحَجَّ مِن الكَعبَةِ إِلى القُدسِ ـ وَذَلكَ انطلَاقًا مِن كُونِ عَبدِ المَلكِ إِنسَانًا مُسلَمًا مُلتَزمًا بِشَرِيعَةِ الإِسلَامِ ـ وَنفَى أَن يَكُونَ استِعمَالُ عِبَارَةِ «الأَرضِ المُقدَّسةِ» لِلدّلالَةِ عَلَى فِلَسطِينَ استِعمَالًا أُمَوِيًّا


(١) انظر: «قاعدة في زيارة بيت المقدس» المنشورة في المجلة الأمريكية " Journal of the American Society" LVI, ١٩٣٦, PP.٧ - ١٢.

<<  <   >  >>