للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

بِالمَدِينةِ أَو الإِقلِيمِ الّذِي أُلِّفَ عَنهَا أَو عَنهُ. وَالجَدِيرُ بِالذِّكرِ أَنَّ هَذِه الظَّاهِرَةَ قَد استَرعَت نَظَرَ مُؤَلِّفٍ غَربِيٍّ كَتَبَ عن تَارِيخِ المُؤلَّفَاتِ التَّارِيخِيَّةِ الإِسلَامِيَّةِ، ذَلكَ هُوَ فرَانز رُوزِنتَال الّذِي ذَكَرَ أَنّ أَبكَرَ مُؤَلَّفاتِ التَّارِيخِ المَحلِّيِّ قَد ظَهرَت في بِلَادِ مَا بَينَ النَّهرَينِ لَا في بِلَادِ الشَّامِ، مِمّا يَدُلُّ، كَمَا يَقُولُ هُوَ، عَلَى عَدمِ تَأَثُّرِ هَذِهِ المُؤَلِّفَاتِ بِالمُؤَلِّفَاتِ المَسِيحِيّةِ ـ يَقصِدُ المُؤلَّفَاتِ المَسِيحِيةَ في بِلادِ الشَّامِ ـ. وَقَد أَعطَى رُوزِنتَالُ بَعدَ ذَلكَ أَمثِلَةً عَلَى المُؤَلَّفَاتِ المُبَكِّرَةِ في التَّوَارِيخِ المَحَلِّيَّةِ في بِلَادِ العِرَاقِ وَمِصرَ وَالحِجَازِ وَالمُتَأخِّرةِ نِسبِيًّا في بِلَادِ الشَّامِ (١).

وَالتَّفسِيرُ الثَّالِثُ المُحتَملُ لِتَأخِيرِ التَّألِيفِ في فَضَائِلِ القُدسِ يُمكِنُ أَن يَكُونَ ذَا عِلَاقَةٍ بِمَا تَفَرّدت بِهِ القُدسُ مِن خَصَائِصَ وَأوضَاعٍ لَم تَكُن قَائِمَةً في مُدُنٍ إِسلَامِيَّةٍ أُخرَى. فَإِذَا كَانَت مَكَّةُ قَد قُدّست بِالكَعبَةِ قَبلَ الإِسلَامِ، ثُمَّ بِالكَعبَةِ وَبُزُوغِ فَجرِ الإِسلَامِ فِيهَا، وَبِحَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيهِ بَعدَ الإِسلَامِ، وَإِذَا كَانَت المَدِينَةُ قَد قُدِّسَت بِالرَّسُولِ وَمَسجِدِهِ وَالحَيَاةِ الإِسلَامِيَّةِ الأُولَى فِيهَا، وَإِذَا كَانَت البَصرَةُ وَالكُوفَةُ قَد خَطَّطَهُمَا العَربُ المُسلِمُونَ في وَقتٍ مُبَكِّرٍ بَعدَ الفَتحِ، مِمّا يَجعَلُ هَذِهِ المُدنَ وَغَيرَهَا مِن أَمثَالِهَا مُرتَبطَةً بِتَارِيخِ العَربِ وَالإِسلَامِ بِصُورَةٍ خَاصَّةٍ، فَإِنَّ مَدِينَةَ القُدسِ كَانَ لَهَا تَارِيخٌ أَكثَرَ تَعقِيدًا وَتَشَابُكًا مِن غَيرِهَا مِن المُدنِ. فَقَد تَقَلَّبت عَلَى هَذِهِ المَدِينَةِ دُولٌ وَحَضَاراتٌ وَعَقائِدُ مُختَلِفَةٌ، كَمَا رَأَت عَبرَ تَارِيخِهَا السّابِقِ لِلفتحِ الإِسلَامِيِّ وَالَّلاحِقِ لِهَذَا الفَتحِ أَنمَاطًا مُختلِفَةً مِن السُّكَّانِ وَالأَعرَاقِ وَاللُّغَاتِ ... وَالثَّقَافَاتِ. وَحتَّى بَعدَ الفَتحِ الإِسلَامِيِّ لِلمدِينَةِ لَم يُحظَر عَلَى غَيرِ المُسلِمِينَ مِن النَّصَارَى البَقَاءُ في المَدِينَةِ المُقَدَّسَةِ وَمُمَارَسَةُ حَيَاتِهِم الخَاصَّةِ بِهِم فِيهَا، بَل إِنَّهُ عَلَى الرَّغمِ مِن أَنَّهُ اشتُرِطَ عَدمُ بَقَاءِ اليَهُودُ فِيهَا عِندَ تَسَلُّمِ المُسلِمِينَ لَهَا،


(١) A History of Muslim Historiography, pp. ٣١ - ٣٩ .

<<  <   >  >>