للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

كَمَا جَاءَ في نَصِّ العُهدَةِ العُمَرِيَّةِ (١)،

فَقَد تَسرَّبَ هَؤلاءِ بَعدَ الفَتحِ العُمرِيِّ لِلعَيشِ في القُدسِ بَسبَبٍ مِن تَسَامُحِ المُسلِمِينَ (٢). وَهَذَا شَمسُ الدِّينِ المَقدِسِيُّ ـ وَهُوَ مِن رِجَالِ القَرنِ الرَّابِعِ الهِجرِيِّ وَمِن أَشهَرِ جُغرَافِيِّي العَربِ في تِلكَ الفَترَةِ، وَهُوَ كَذلِكَ ابنُ بَيتِ المَقدِسِ ـ يُحَدِّثُنَا عن وُجُودِ النَّصَارَى وَاليَهُودِ في المَدِينَةِ في زَمنِهِ (٣).

وَهَذَا كُلُّهُ يَعنِي أَنهُ قَد اجتَمَعَ لِلقُدسِ مِن أَوضَاعٍ مُتَشابِكَةٍ خَاصَّةٍ بِهَا مَا لَم يَجتَمِع لِأيَّةِ مَدِينَةٍ مِن مُدنِ الإِسلَامِ؛ فَهيَ مُقدَّسةٌ لِثَلَاثِ دِيَانَاتٍ، لَا لِدِيَانَةٍ وَاحِدَةٍ. وَآخِرُ هَذِهِ في تَسَلسُلِ العَقَائِدِ التَّارِيخِيِّ الإِسلَامُ يُنزِّلُ المَدِينَةَ مَنزِلَةَ القَدَاسَةِ في إِطَارِ مَا يَدخُلُ في تَارِيخِ الإِسلَامِ، وَكَذلِكَ بِاعتِبَارِ أَنَّ الإِسلَامَ وَرِيثُ الدِّيَانَتَينِ الأُخرَيَينِ السَّابِقَتَينِ لَهُ، وَأَنَّ أَنبيَاءَهُمَا مَوضِعُ إِجلَالٍ وَقَبُولٍ لَدَى المُسلِمِينَ، وَأَنَّ مَا صَحَّ مِن ارتِبَاطٍ بِينَ هَؤُلَاءِ الأَنبِيَاءِ وَالمَدِينَةِ لَهُ حُرمَةٌ وَقَدَاسةٌ عِندَ المُسلِمِينَ، بَل إِنَّ المُسلِمِينَ أَولَى مِن غَيرِهِم بِهَؤُلَاءِ الأَنبِياءِ وَبِمَا تَرَكُوهُ مِن آثَارٍ بِاعتِبَارِ أَنَّهُم حَملُوا رِسَالَةَ السَّماءِ الَّتِي وَرِثَهَا الإِسلَامُ وَأكمَلَهَا.

وَلَعَلَّ هَذهِ النَّظرَةَ الإِسلَامِيَّةَ الأَخِيرَةَ إِلَى المَدِينَةِ المُقدَّسةِ تُفَسرُ اهتِمَامَ كُتَّابِ فَضَائِلِ القُدسِ بِتَارِيخِ المَدينَةِ القَديمِ السَّابِقِ لِلعَهدِ الإِسلَامِيِّ. مِن أَجلِ ذَلكَ فَإِنَّ كُتبَ فَضَائلِ القُدسِ رُبَّمَا كَانت شَيئًا يَختَلفُ بِدَرجَاتٍ مُتفَاوِتَةٍ عن الكُتبِ الّتِي أُلّفَت عن فَضَائلِ المُدنِ الإِسلَامِيّةِ الأُخرَى مِما يَستَوجبُ عَدمَ مُقَارنَتِهَا بِتِلكَ الكُتبِ في مَنهَجِهَا وَمَادَّتِهَا وَالغَايةِ التِي كُتبت مِن أَجلِهَا.


(١) انظر العهدة العمرية في مخطوطة «مفتاح المقاصد ومصباح المراصد» نسخة معهد التراث العربي بجامعة حلب (٦٤، ٦٣) ..
(٢) انظر: Jerusalem : Its Place In Islam and Arab History, P. ١٢ .
(٣) انظر ما جاء في «أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم»، ط. ليدن ١٩٦٧، (ص: ١٦٧).

<<  <   >  >>