للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

١ - أن الافتراء ليس نصًّا في القذف، فقد يُراد به مطلق السبّ، ولاسيما إذا كان شنيع اللفظ، كالإعضاض.

وعليه، فقد يكون السائل أساء الأدب، فأعضَّه أبو الزبير. وفي الحديث: "من تعزَّى بعزاء الجاهلية، فأعِضُّوه بِهَنِ أبيه، ولا تكنوا" (١).

٢ - على تسليم أن شعبة أراد بها القذف، فلم يبين لفظ أبي الزبير. فيحتمل أنه قال كلمةً يراها شعبة قذفًا، وغيره لا يوافقه، ولهذا قال الفقهاء: إذا قال الشاهد [ص ٧٢]: أشهد أن فلانًا قذف فلانًا، لم يُقبل حتى يفسِّر.

ولا يَرِد على هذا قول شعبة: فقلت له: أتفتري ... إلخ. وسكوت أبي الزبير عن نفي ذلك؛ لأن شعبة قد يكون إنما قال له: أتقول هذا لرجل مسلم. ثم روى بالمعنى في رأيه. أو يكون أبو الزبير ترك نفي ذلك؛ لأنه على كلِّ حال قد أخطأ، فرأى الأولى الاعتذار بأنها كلمة جرت على لسانه لشدة الغضب، وهذا عذرٌ صحيحٌ، كما سيأتي إن شاء الله.

٣ - على تسليم أنه قَذْف صريح، فقد يكون أبو الزبير مُطَّلعًا أن ذلك هو الواقع، وسكت عن ذكره لشعبة؛ لأنه على حال مما لا يليق، وإنما جرى على لسانه لشدة الغضب.

ويُستأنس لهذه الوجوه بأنه لو كان القذف صريحًا، والمقذوف بريئًا، لذهب فشكاه إلى الوالي، والحدودُ يومئذٍ قائمة.


(١) أخرجه أحمد رقم (٢١٢١٨)، والنسائي في "الكبرى" رقم (٨٨١٣)، والبخاري في "الأدب المفرد" رقم (١٠٠٠)، وابن حبان رقم (٣١٥٣)، وغيرهم من حديث أُبي بن كعب رضي الله عنه. انظر "السلسلة الصحيحة" (٢٦٩).