للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ص ١٠٤] البناء على القبر (١)

قد يقال: يحتمل أن يراد بالبناء ما كان فيه انتهاك لحرمة القبر، كأن يكون للسكنى، ويدل عليه قرنه بالجلوس.

والجواب: أن البناء في الحديث مطلق، وقرنه بالجلوس يعارضه قرنه بالتجصيص الذي هو تشييد للقبر، لا إهانة، بل هذا أبين دلالة، إذ التجصيص من جنس البناء، مع أن البناء للسكنى لا يستلزم انتهاك حرمة القبر، فقد يترك بجانب من البيت على حاله، بل إن ذلك تعظيمٌ للقبر واحترامٌ له، ولذلك جاء النهي مطلقًا، يتناول البناء للسكنى وغيره.

فإن قيل: الأصل في الكلام الحقيقة، والحقيقة في البناء على القبر البناء على متنه.

قلت: بل الحقيقة في البناء على القبر ما كان مستعليًا عليه، فيتناول البناء حواليه مسقوفًا، إذ هو باعتبار السقف مستَعْلٍ على القبر حقيقةً.

مع أنه لو سُلِّم ما قلتم، أو لم يرد النهي إلا عن التجصيص فقط، لكان في ذلك دليلٌ على النهي عن البناء الضيِّق والواسع، المسقوف وغير المسقوف، بل وعن البناء بقرب القبر غيرَ مشتملٍ عليه، ولكنه لأجله، بل وعن البناء بعيدًا عنه لأجله، كالمَشاهد، وكذا كل ما فيه تمييز للقبر، كرفعه زيادةً على الشبر، ووضع الستور عليه، ونصب الرايات عنده، وإيقاد السُّرُج.

والحاصل: كل شيءٍ يكون فيه إكرامٌ للقبر أو تشييدٌ له مما لم يثبت


(١) في المسوّدة الثانية (ص ٣٠ ــ ٤٠) هذا البحث مع زيادة فائدة، فأثبتناه للفائدة في آخر الرسالة.