للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالسُّنة، فإنَّ كل هذا يدلّ الحديث على النهي عنه بالقياس، سواءً أكانت العلة كراهية تشييد القبور وتزيينها، أم كراهية تمييز القبر الذي يُخْشى أن يؤدي إلى تعظيمه، وقد مر إيضاح هذا آخر الفصل الأول (١).

وقد عورض إطلاق البناء على القبر في النهي بإطلاقات أخر:

منها: الإذن للإنسان أن يصنع في ملكه ما يشاء.

ومنها: الأمر باحترام الصالحين.

ومنها: الأمر بالإحسان إلى الخلق، وإعانتهم على البر.

فعلى الأول؛ يُقَيَّد النهي عن البناء [ص ١٠٥] بما إذا لم يكن في الملك.

وعلى الثاني؛ بما إذا لم يكن على قبور الصالحين.

وعلى الثالث؛ بما إذا لم يكن (لتظليل) الزوَّار.

والجواب: أن هذه الأمور ليست مطلقة، بل هي مقيَّدة بما لم ينه عنه الشرع، والبناء مطلقًا مما نهى عنه الشرع، فلا معارضة؛ وإلا لساغ تقييد النهي عن اتخاذ الأصنام بما إذا لم يكن في الملك. وتقييد النهي عن الرياء، بما إذا لم يكن لأجل الإهداء إلى صالح، أو لأجل الصدقة، وتقييد النهي عن تأخير صلاة الصبح مثلًا عن وقتها بما إذا لم يكن لخدمة الوالدين، وغير هذا من المصالح التي لا تُحصى.

ولو سُلِّم التعارض لكان المتعين تقييد تلك المطلقات بالنهي عن البناء على القبر؛ لأن علة النهي عن البناء على القبر موجودة في كل قبر، وذلك دليلٌ أن النهي مطلقٌ لا يقبل التقييد، بل وجودها في الملك أبْيَن وأوضح؛ لأن مجرد الدفن في الملك مع منافاته للسنة في حق الآية، فيه منافاة لما


(١) (ص ٤٢ ــ ٤٤).