للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يليق بالموت الذي هو باب البلى، والخروج من الدنيا، والتساوي مع الفقراء، وفيه تمييز للقبر، وتعظيم له، فعِلَّة النهي عن البناء موجودة في مجرد الدفن في الملك، فضلًا عن التجصيص والبناء.

وكذلك وجود العلة في قبر الصالح أشد؛ لأنه أقرب إلى حمل الناس على تعظيمه، وما مثل مَن (١) يجيز البناء على قبر الصالح، إلا كمن يبيح شرب القَدْر المُسْكر من الخمر للمجاهدين، فإن البناء على قبر غير الصالح كشرب الجرعة والجرعتين من الخمر، والنهي عن البناء على قبر الصالح، كالنهي عن شرب القَدْر المسكر من الخمر، فإباحة البناء على قبر الصالح ــ لأن فيه احترامًا للصالحين ــ كإباحة السُّكْر للمجاهدين؛ لأن فيه شدة على الكافرين، مع أن علة تحريم الخمر خوف السكر، وعلة تحريم البناء خوف الكفر، وشتان بينهما.

وهكذا تظليل الزوَّار، إن هو إلا تحقيقٌ لوجود العلة؛ لأن الزيارة التي تحتاج إلى التظليل لا تكون غالبًا مشروعة، مع أن التظليل ليس من المصلحة في شيء، لا مصلحة الميت كما هو واضح؛ لأنه إن كان للدعاء له، فإن الله عزَّ وجلّ بكل شيءٍ عليم، فإن أراد أن يبلغه ثواب الدعاء فسيبلغه، ولو كان الداعي بأقصى الأرض عن قبره.

[ص ١٠٦] ولا لمصلحة الزوَّار؛ لأنه إن أريد المصلحة الشرعية التي بيَّنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: "فإنها تذكِّركم الآخرة" (٢). فهذه


(١) تكررت في الأصل.
(٢) أخرجه مسلم رقم (٩٧٦) بلفظ "إنها تذكركم الموت". عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وأخرجه أحمد رقم (١٢٣٦) وفي سنده علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف.