للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولنا بحث في تحقيق ذلك، والإجابة عما ذكره [ص ٨٥] الحافظ رحمه الله، لا حاجة لإثباته هنا؛ لأن الخلاف لفظي، للاتفاق على أن في الإرسال الخفي إيهامًا، فاتهام الراوي به كاتهامه بالتدليس، فإذا اتهمتم الراوي بأنه يرسل خفيًّا ــ وإن لم يوصف به ــ فليزمكم أن تتهموا الراوي بأنه يدلس وإن لم يوصَف به.

فإن قلتم: إن الأصل في الثقة عدم التدليس؟

قلنا: وكذا الإرسال الخفي.

فإن قلتم: الإيهام في الإرسال الخفي أضعف منه في التدليس، فهو أقرب إلى اتصاف الثقة به.

قلنا: مُسَلَّم غالبًا، ولكن هذا لا يقتضي أن لا يكون الأصل في الثقة عدمه، ما دام فيه إيهامٌ وتغرير وغشٌّ منافٍ لكمال الثقة، مع أن الإيهام في الإرسال الخفي لأمرين، كلاهما خلاف الواقع: السماع لذلك الحديث، واللقاء.

بخلاف التدليس، فإنه وإن دل على الأمرين، فاللقاء موافقٌ للواقع، فتبين أن الإرسال الخفي أقبح وأشنع من التدليس، كما قاله ابن عبد البر في "التمهيد" (١)، ونحوه ليعقوب بن شيبة. انظر "فتح المغيث" (٢) (ص ٧٤ - ٧٥).

وعليه، فالثقة أشدّ بعدًا عنه؛ تدينًا وخوفًا من نقد النقاد، كما مرّ.


(١) (١/ ٢٧ - ٢٨).
(٢) (١/ ٢١٠ - ٢١١).