للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سيأتي. بل لو لم يرد إلا أحدهما لكان كافيًا في المطلوب، بل لو لم يرد إلا النهي عن التجصيص لكان كافيًا بدلالة القياس الجليّ كما هو بيِّن، بل لو لم يرد شيء من ذلك لكفى في حظر البناء ونحوه خلافه للسنة مع صيرورته سببًا لضلال طوائف من الأمة كما هو مشاهد، مع أدلة أخرى قد أشرنا إليها في مواضع أخر من هذه الرسالة.

فيتعين أن يكون المراد بالبناء في هذا الحديث هو المتبادر منه والمنافي للتسوية والمناسب للتجصيص والإشراف، أعني البناء المشتمل على القبر، سواء كان ضيّقًا على جوانبه القريبة أم واسعًا. وسواء كان مسقوفًا أم لا.

أما على القول بأن البناء المشتمل على القبر لا يقال له بناء ولو كان مسقوفًا فظاهر؛ لأن المسقوف يكون مجازًا وغير المسقوف مجازًا (١).

وأما على القول بأن المسقوف حقيقة فلأنه لا فرق، فالكُلُّ إحكامٌ للقبر وتمييز له، بل ويقاس عليه البناء بالقرب من القبر غير مشتمل عليه إذا كان لأجله كالمَشاهد، بناءً على أن العلة هي خشية أن يؤدّي تمييزه إلى تعظيمه الذي هو باب الشرك كما تدلّ الأحاديث الصحيحة في النهي عن الصلاة إلى القبور، وأن الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام، مع ما قاله ابن عباس وغيره من السلف كما في "صحيح البخاري" وغيره في تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (٢٣) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا} [نوح: ٢٣ - ٢٤]: إن هؤلاء قوم صالحون كانوا في قوم نوح، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم إلخ. ومع السنة المتواترة في النهي عن اتخاذ القبور مساجد،


(١) كذا في الأصل.