للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القدحُ فيه شيئًا، لما قدّمنا أن الجمع كان جائزًا في عهده صلى الله عليه وآله وسلم، وإن لم يقع بالفعل، وربما تُصُوّرت موانعُ أُخر لا حاجة إلى الإطالة بها.

فلما كان في عهد أبي بكر واستحرَّ القتلُ بالقُرَّاء في اليمامة خشي الشيخان من تزلزل الوسيلة العظمى وهي الحفظ، ففزعا إلى تأييد الوسيلة الأخرى، وهي [ص ١٠] الكتابة، فاقتصرا على جمعها في مصحف واحد يبقى ببيت الخليفة، فكان ثمرةُ عملهما ذلك الاحتياطَ من أن تضيع قطعة من تلك القطع، أو يطرأ عليها شيءٌ.

وبقي الناس مقبلين على الحفظ مُسْتَغْنين به خلافةَ أبي بكر وعمر وصدرًا من خلافة عثمان، وكتب بعضهم مصحفًا لنفسه (١) كابن مسعود، وأُبَيّ بن كعب.

ثم غزا صاحبُ سِرِّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حذيفة بن اليمان، فسمع بعضَ اختلاف في القراءات، منه ما نشأ عن اختلاف الأحرف، وكلٌّ صحيحٌ ولكنه أدى إلى النزاع، ومنه ما نشأ عن خطأ من الأعاجم الذين أسلموا ونحوهم، فأفزعه ذلك، فجاء فأشار على عثمان بتدارك القضية، فتداركها بنسخ عدة مصاحف، وإرسال كل مصحف إلى مِصْرٍ، وهو تقريبًا كما كان في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصاحبيه، مصحفٌ بالمدينة، فصارت كل مدينة محتاجة إلى مصحف، وهذا هو فعل عثمان.

وأما بعد ذلك فهُجِرَت الوسيلة العظمى وهي الحفظ، وفترت الهِمَم،


(١) يحتمل أن تكون مضروبًا عليها.